للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذُكِر في كثيرٍ من كتب السنة، والصحابة - رضي الله عنهم - قد وهبهم الله - سبحانه وتعالى - ما لم يهب غيرهم، فعندهم من الإخلاص ما لا يوجد عند غيرهم، ولهم من المزايا ومن الفضائل ما يختصون به عن بقية الناس بعد رسل الله وأنبيائه؛ لأنهم قومٌ اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فينبغي أن يُعرَف لهم فضلهم، وأن يُقدَّروا في كل أعمالهم، والله - صلى الله عليه وسلم - قد رضي عنهم كما قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: ١٨]، وقال - سبحانه وتعالى -: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}؛ أي: الصحابة: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: ٢٩]، فالله - سبحانه وتعالى - قد زكاهم في مواضع في كتابه العزيز، وزكاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشهد لهم بالفضل وبالعدل وبالإحسان، وقال: "لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" (١).

والله - سبحانه وتعالى - قد وفَّقهم ووهبهم من صفاء الأذهان، ومن قوة الإخلاص واليقين ما لم يكن عند غيرهم، تربوا في مدرسة الرسول ونهلوا من علمه - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة وأخذوا من مشكاة النبوة، واللغة العربية هي سليقتهم، وقد ربطوا قلوبهم بالله - سبحانه وتعالى - بكل إخلاص، ففرغوا قلوبهم من كل ما يشغلهم عن طاعة الله - سبانه وتعالى -، فآثروا الباقية على الفانية، فلم تشغلهم الحياة الدنيا، ولم ينصرفوا إلى ملذاتها، وإنما وقفوا أنفسهم وأفنوا أعمارهم دفاعًا عن هذا الدين فرضي الله عنهم جميعًا.

"لَقضيتَ فيها"؛ يعني: إنك في قضائك هذا قد وُفِّقت وأصبت سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه - عندما شهد له الصحابي يقول: فما فَرِح فرحًا أشد بعد فرحه بالإسلام، واستقرار الإيمان في قلبه بمثل هذا الفرح؛ أن يقضي بأمر يجتهد فيه فيأتي على وفق ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذه نعمةٌ من الله، ومن المكارم الجليلة التي ذكرها العلماء في خصائص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان ينزل القرآن مؤيدًا


(١) أخرجه البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤٠) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".

<<  <  ج: ص:  >  >>