للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرأيه، فكم من مسألة قال فيها قولًا فنزل القرآن مؤيدًا لرأيه، كما في الصلاة عند المقام، وكذلك في الحجاب، وفي أسرى بدر (١)، وفي غير ذلك من المسائل، فعندما يجتهد المرء في أمرٍ من الأمور، ثم تبين له أن الحق في هذا القول فأفتى به، ثم ثبت له أن ذلك قد وافق ما في كتاب الله وما في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فعليه أن يحمد الله - سبحانه وتعالى -، وهذا من توفيق الله - سبحانه وتعالى - للعبد أن يهديه الطريق المستقيم ويوفقه إليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران" (٢).

قوله: (بقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ. خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (٣)).

ورواه ابن ماجه (٤) وأحمد (٥) والبيهقي (٦) وغيرهم.

فهذا القضاء الذي قضى به عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه - كان باجتهادٍ منه، وهو لم يُقدِم على الاجتهاد في المسألة إلا بعد إلحاحٍ وإعمال فكر ورويه (٧)، فلما اجتهد في هذه المسألة وانتهى، فجاء ذلك على وفق سنةً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قضى في بروع بنت واشق بشهادة هذا الصحابي الذي روى ذلك، وأيَّد هذه الفتوى.

وهذا له شواهد كثيرة: فأبو بكرٍ - رضي الله عنه - عندما جاءته الجدة تطلب


(١) أخرجه مسلم (٢٣٩٩) عن ابن عمر قال: قال عمر: "وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر".
(٢) أخرجه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦/ ١٥) عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر".
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) تقدَّم.
(٥) تقدَّم.
(٦) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٤٠١).
(٧) الرَّوِيَّة: النظر والتفكر. انظر: "معجم ديوان الأدب" للفارابي (٤/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>