للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مالك هذا؛ لأنه جاء في هذا حديث، وقد اختلف العلماء في صحته ومفهومه.

(وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَشْبِيهُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ بِالبَيْعِ).

لنتأمل، هنا ردَّ المسألة إلى البيع كما نوَّهنا سابقًا.

(فَمَنْ شَبَّهَهُ بِالوَكيلِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ، وَيَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ حِبَاءً، قَالَ: لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ كمَا لَا يَجُوزُ البَيْعُ، وَمَنْ جَعَلَ النِّكَاحَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْبَيْعِ، قَالَ: يَجُوزُ (١)).

لأنَّ الوكيل هنا حابَى نفسه، ومثله - أيضًا - عامل الصدقة، لا يجوز أن يشترط لنفسه شيئًا، أو أن يستغل مكانه؛ ولذلك أنكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ابنُ اللُّتبيَّةِ لمَّا جاء وقال: "هذا لكم، وهذا لي"، فما كان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - - وهو المُوَجِّه الكريم الذي لا يُريد أن يخدش أحدًا ولا أن يُجرحه - قال: "ما بالُ أحدكم يُرسَل في كذا، فيقول: هذا لي وهذا لكم، هلَّا جلس في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا؟ " (٢). أي: يجلس في بيت أبيه وأمه، لينظر هل تأتيه هذه الأمور أم لا؟ أما أن تذهب لك سُلطة وهيمنةً ثم تستغل هذه الهيمنة، فلا ينبغي.

كذلك الوكيل ليس له أن يأخذ، وكم من أُناسٍ يستغلون مثل هذه


= ثم يرجع الزوج عليها بنصفه؛ إذ الإهداء لم يكن منها، (بخلاف ما أُهدي له) أي: للولي ونحوه، (بعده) أي: بعد العقد، فليس لها أخذه منه". وانظر: "منح الجليل" لعليش (٣/ ٤٨٠).
(١) سبق.
(٢) أخرجه البخاري (٦٩٧٩)، واللفظ له، ومسلم (١٨٣٢)، عن أبي حميد الساعدي، قال: "استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا على صَدقات بني سليم، يُدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسَبَه، قال: هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلَّا جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنتَ صادقًا"، ثم خطبنا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أمَّا بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل ممَّا وَلَّاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أُهديت لي، أفلا جَلَسَ في بيت أبيه وأمه حتَّى تأتيه هديته … ""، الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>