الذكاء ومن الفطنة فإنه لا يستطيع أن يهتدي إلى ما أراده الله سبحانه وتعالى في عمارة وقيام هذا الكون.
ولهذا أنزل الله سبحانه وتعالى هذه الشريعة:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة: ٤٨] يقول الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)} [الجاثية: ١٨].
وشريعة الله خالدة، هناك نماذج اختلف فيها العلماء ويتوسع الخلاف وتتعدد الأقوال وتختلف وجهات النظر؛ لأنه لا يوجد في المسألة أدلة تحسم النزاع، لكنها كلها مسائل بحمد الله مُجتَهَد فيها إن أصاب الإنسان الحق فيها فله أجران؛ أجر على اجتهاده وأجر على إصابته الحق، وإن اجتهد وأخطأ - وهو من أهل الاجتهاد - فإنه يؤجر على الاجتهاد لأنه أراد الخير ولا يريد غيره.
لكن مَن يخرج عن شريعة الله ويتجاوزها، ويأتي بأمور قد وضعها الناس، فإن كان ممن يعتقد أن الحق في هذه القوانين، وأنها أولى من شريعة الله أو أنها مساوية لشريعة الله، فهذا هو الكفر الصريح:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤].
أما مَن يعتقد أن الحق في شريعة الله، وأن شرع الله لا يساويه غيره مهما كان، ولكنه ربما يأخذ بهذه القوانين إما لضرورة أو أمر من الأمور؛ فهذا لم يصل لدرجة الكفر، وإنما يكون ظالمًا أو فاسقًا.
والله سبحانه وتعالى قد قسَّم هذا الإثم إلى أنواع ثلاثة: شتان بين إنسان يحكم بالقانون ويرى أنه الحق وأنه أولى من حكم علام الغيوب، وبين إنسان يعلم أن الحق إنما هو في شريعة الله، وأنه مهما جاء الناس بأمور فإنهم لم يصلوا إليها ولم يبلغوها، لكنه وقع في هذا الأمر إما لمتابعة، أو لضرورة، أو لأمر من الأمور، وهو لا يُعذَر في هذا المقام، لكن لو قُدِّر أن هذا حصل، فالحكم على هؤلاء يختلف، والحكم هنا حكم عقدي.
فينبغي للمسلم دائمًا ألا يُطلق كلمة الكفر إلا على مَن يستحق الكفر، ولا ينبغي له أن يَسب إنسانًا بعينه، وإنما إذا لعن فليلعن الكافرين عمومًا.