للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك حديث يقول: "لا يُحرِّم الحرام الحلال" (١)، لكل هل هذا على إطلاقه؟ وهل يدخل في ذلك أيضًا الزنا؟

لا يُحرِّم الحرام الحلال: لا يجوز لأحد أن يحرم ما أحل الله له، ولا أن يُحل ما حرم الله عليه، ولذلك نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما نزل قول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ١٣١] أشكل ذلك على عدي بن حاتم، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، والرسول - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا تكون إجاباته عن طريق السؤال، حتى يستقر الحكم في ذهن وقلب السامع، فقال له: "أَلَيْسُوا يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّه، فَتَسْتَحِلُّونَه، وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّه، فَتُحَرِّمُونَهُ؟! " قال: بَلَى؛ قَالَ: "فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" (٢).

فمن يُحل ما حرم الله، أو يُحرم ما أحل الله، معتقدًا حِليَّة هذا الأمر فيُحرمه، أو حُرمة هذا الأمر فيُحله، فإنه بذلك يخرجه عن الإسلام؛ لكن من يكون جاهلًا أو معذورًا فالحكم في شأنه يختلف.

كذلك أيضًا مَن يُفضل غير شريعة الإسلام؛ أي: القانون على هذه الشريعة، فهو كافر بلا خلاف، ومن يُسوي بين القوانين التي من صُنع البشر، ومن زبد أفكارهم وبين هذه الشريعة الإسلامية الخالدة يكون كافرًا؛ أما من يحكم بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن الحق في الشريعة، بأن يكون مُكرهًا، أو لسبب من الأسباب؛ فهذا يدخل في الأوصاف الباقية التي وردت في سورة المائدة {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: ٤٥]، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: ٤٧].

وهذه من أخطر الأمور، أن يكفر الإنسان بغير دليل.

وفي "العقيدة الطحاوية" قال شارحها: "ولا نُكفِّر أحدًا من أهل


(١) أخرجه ابن ماجه (٢٠١٥) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٣٨٥).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٠٩٥)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ١٩٨)، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" (٣٠٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>