للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لابنتك؟ " قال: لا، قال: "والناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لبناتهم"، واستمر معه الرسول، قال: فخرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما كرهت شيئًا أكثر مما كرهت الزنا (١).

هذه طريقة التأديب، وطريقة الدعوة؛ ولذلك الله تعالى يقول لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩].

ويقول: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩].

ويقول تعالى في مخاطبة أهل الجاهلية، وفي مجادلتهم: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: ٤٦].

لا شك أن الدعوة لها أساليب، ولها طرق رشيدة؛ ولا شك أن الأُسوة في ذلك أولًا إنما هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والدستور الذي نرجع إليه هو قُطب هذه الشريعة الذي تدور عليه، كتاب الله عزَّ وجلَّ القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد؛ الذي لما سمعه الجن توقفوا، فاستمعوا إليه: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف: ٢٩] إلى آخر الآية.

فالقرآن يأخذ بألباب القلوب، ويستولي على النفوس وينفذ إليها لو أن المرء أصغى إليه؛ ولذلك الله تعالى يقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)} [محمد: ٢٤].

ولأن هذا القرآن العظيم يغزو النفوس، وينفذ من القلوب ويستقر بها، كان المشركون يحذر بعضهم بعضًا من الاستماع إليه، ولذلك يقول أحدهم عندما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو: {حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [فصلت: ١ - ٤] إلى آخر الآيات، قال: "إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة،


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٢٢٦٥) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>