للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنه يُحرِّم، إذا كان مما يُفطر به الصائم" (١). وقد علَّق عليه الحافظ بن عبد البر - رحمهم الله جميعًا - فقال: "وهذا وهمٌ منه؛ لأنه لم يقف على أقوال العلماء؛ فهو قد حكى ما بلغه" (٢). ولكن الحقيقة ليس المسألة مُجمع عليها بل فيها خلافٌ مشهور معروف؛ بل إنه بعد التحقيق سنرجِّح قول القائلين بخمس رضعات.

* قوله: (وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذه المَسْأَلَةِ مُعَارَضَةُ عُمُومِ الكِتَابِ لِلْأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي التَّحْدِيدِ).

إذا نظرنا إلى المسألة أوَّلًا نرى: أن الفريق الأول الذين لم يحدُّوا في ذلك حدًّا استدلوا بالكتاب والسنة:

أما (الكتاب) فقول الله سبحانه وتعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣]، فالله سبحانه وتعالى ذكر في هذه الآيةِ صنفين من المرضعات: الأمهاتُ والأخوات، والله سبحانه وتعالى سمَّى هذه أمًّا، وسمَّى تلك أختًا، فأثبت سبحانه وتعالى الحُرمة بالرضاع، وقالوا: لم يذكر الله سبحانه وتعالى بذلك عددًا ولا قدرًا، فدل ذلك على أن ما يُسمى رضاع فإنه تحصل به الحُرمة.

وأما السُّنة فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الرضاعة تُحرِّم ما تُحرّم الولادة" (٣). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُحرِّم من الرضاع ما يُحرِّم من النسب" (٤). وجاء في حديثٍ آخر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يُحرِّم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام" (٥). وكذلك أيضًا جاء في حديث عبد الله بن مسعود قوله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) يُنظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٨/ ٢٦٨) حيث قال: "الليث بن سعد: أجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يُحرِّم في المهد ما يفطر الصائم".
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٦/ ٢٤٩) حيث قال: "قال أبو عمر: لم يقف الليث على خلاف في ذلك".
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) تقدَّم تخريجه.
(٥) أخرجه الترمذي (١١٥٢)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>