للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لا يُحرِّم إلا ما أنشز (١) العظم وأنبت اللحم" (٢). وفي الحديث - المتفق عليه - قوله أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرضاعة من المجاعة" (٣).

إذًا قالوا: كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - قد أطلقت ما يتعلق بالرضاع، فنقف عند ظاهر الكتاب، والسنة، فنرى أن كل رضاعٍ يصل فيه اللبن إلى المعدة؛ فإنه تحصل به الحُرمة، هكذا قال أصحاب هذَا القول.

*قوله: (وَمُعَارَضَةُ الأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ بَعْضُهَا بَعْضًا).

فالذين قالوا بأنه لا تُحرِّم الواحدة والاثنتان، وإنما تُحرِّم الثلاث، وهم: أبو عُبيْد القاسم بن سلَّام، وأبو ثور وجماعة، وهي الرواية الأخرى للإمام أحمد (٤) استدلوا بعدة أدلة منها:

ما ثبت في الحديث الذي رواه (مسلم): أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سُئل: "هل تُحرِّم الرضعة الواحدة؟ قال: لا" (٥). أي: لا تُحرِّم؛ لأنه إذا ورد الجواب أو الخبر في السؤال؛ فإنه لا يُعاد - في الغالب - في الجواب، فلما سُئل: هل تُحرِّم الرضعة الواحدة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا". أي: لا تُحرِّم الرضعة الواحدة.

وفي "صحيح مسلم" أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُحرِّم المصَّة ولا المصتان" (٦)، أي: لا تُحرّم الرضعة ولا الرضعتان (٧)، وقوله: "ولا تُحرِّم


(١) أنبت اللحم وأنشز العظم، أي: ما حصل به النماء والزيادة بالتربية، ونشز العظم نشوزًا، أي: علا وارتفع وتحرك. انظر: "طلبة الطلبة" للنسفي (ص ٤٩).
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٤١١٤)، وقال الأرناوؤط: "صحيح بشواهده".
(٣) أخرجه البخاري (٢٦٤٧)، واللفظ له، ومسلم (١٤٥٥) عن عائشة. قوله: الرضاعة من المجاعة، أي: من التي ترضع لجوعه لصغره فهو الذي يحرم لا الذي استغنى عن ذلك بالطعام. انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ١٦٥)، و"غريب الحديث" للقاسم بن سلام (٢/ ١٤٩).
(٤) سبق الكلام عليها.
(٥) أخرجه مسلم (٤٥١/ ١٩).
(٦) أخرجه مسلم (١٤٥٠/ ١٧).
(٧) "المصة": المرة من المص وهو من حد علم. انظر: "طلبة الطلبة" (ص ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>