للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأحزاب:٥]، فانتهى بعد ذلك التبني، وبيَّن الله سبحانه وتعالى أن التبنِّي لا تثبت به حُرمة، ولا تثبت به بُنوَّة، وأن هذا مما اختلقه الناس وقالوه بأفواههم، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ}، أي: ما تفوَّهْتم ونطقتم به وقلتموه، أما الله سبحانه وتعالى فلم يشرع ذلك حكمًا، وإنما ذلك مما فعله الناس وعملوا به، فأبطله الله سبحانه وتعالى، وقال في الآية الأخرى في سورة الأحزاب: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠]، لكن الله سبحانه وتعالى قد بيَّن أن التبني لا يجوز، وما ورد في الوعيد الشديد في حق من تسمى بغير اسم أبيه معلومٌ، أو من نسب نفسه إلى غير أبيه (١)، وإننا لنجد في هذا الزمان بعض الناس من المساكين الذي ربما يخجل ويتمعَّر (٢) وجهه أن ينتسب إلى أبيه؛ لأن أباه ليس من أكابر الناس، وليس من عِلية القوم، وليس من أصحاب الوظائف العالية، وليس من أصحاب المناصب العُليا، والأموال الطائلة، وإنما هذا خطأٌ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ابغوني في فقرائكم" (٣). ويقول أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: "رُبَّ أشعثَ أغبر لو تمنَّى على الله لأبرَّه" (٤)؛ فكم رأينا من هذا الصنف من الناس الذين لو قوَّمت ما على أجسادهم من الثياب لربَّما وجدتها لا تصل إلى عشرين درهمًا، لكنه يمشي إلى المساجد، ويتردد عليها، وينفر من


(١) منها ما أخرجه البخاري (٤٣٢٦)، واللفظ له ومسلم (٦٣/ ١١٥) عن سعد وأبي بكرة قالا: سمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ادَّعى إلى غير أبيه، وهو يعلم فالجنة عليه حرام". وأخرج مسلم (١٣٧٠) "وفيه … ومَن ادَّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعلِيه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا، ولا عدلًا".
(٢) تمعر وجه الرجل: إذا تغيَّر من غيظ أو وجع .. انظر: "جمهرة اللغة"، لابن دريد (٢/ ٧٧٣).
(٣) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما أخرجه أبو داود (٢٥٩٤) وغيره، بلفظ: "ابغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٧٧٩).
(٤) أخرجه الترمذي (٣٨٥٤)، ولفظه: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤْبَه له لو أقسم على الله لأبره"، وحسنه الألباني في "المشكاة" (٦٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>