للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجالس النميمة (١)، ولا يتهافت (٢) على الدنيا، وإنما يفِرُّ منها كما يفرُّ الإنسان من الأسد، دائمًا إن قابلك بادرك بالسلام، وإن سلَّمتَ عليه ردَّ عليك التحية ورأيت النور في مُحيَّاه (٣)، والابتسامة بين وجنتيه، تجد أن هذا النوع من الناس ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦)} [النور: ٣٦]. هؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (٦٥) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ}، إلي آخر الآيات إلي أن قال {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (٧٥) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٧٦)} [الفرقان: ٦٣، ٧٦] نِعْمَ المقام ونعم الاستقرار إنها جنة عدن.

إذًا من العيب والخجل أن يخجل الإنسان أن يقول: هذا أبي، لأنه يشتغل عاملًا، أو نجارًا، أو جزارًا، أو مستخدَمًا، أو غير ذلك، فالأرزاق إنما وزَّعها الله سبحانه وتعالى، {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: ٣٢]. إن المقياس الحقيقي بالتقوى:

ولستُ أري السَّعادةَ جمْعَ مالٍ … ولكنَّ التَّقيَّ هُو السعيدُ

وتقوى اللَّهِ خَيرُ الزَّادِ ذُخرًا … وعندَ اللهِ للأتْقَى مَزيدُ (٤)


(١) النميمة يقال منه: نميت مشددة تنمية مخففة فأنا أنميه، وإن كان إنما يبلغ الحديث.
انظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (١/ ٣٣٩).
(٢) "التهافت": التساقط والتتابع. انظر: "القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص ١٦٣).
(٣) "المحيا": الوجه. انظر: "العين" للخليل (٣/ ٣١٨).
(٤) من الوافر للحطيئة، وهو في ديوانه (ص ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>