للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ السعادةَ والفوزَ والنجاةَ والفلاحَ بالتقوى، فقد تجد إنسانًا قليلًا في جسمه وفي مظهره، لكنَّه من خير الناس، إن قال صدق، وإن وعد وفَّى، وإن نطق لا ينطق إلا بالحق.

إذًا لا نعتبر المقاييس في الدنيا، ولذلك نجد أن عمر - رضي الله عنه - الذي كان ينزل القرآن موافقًا ومؤيِّدًا لرأيه، يبذل ذوبَ قلبِه، ويوصي عليَّ بن أبي طالب، فيبث أناسًا في مواسم الحج ليبحثوا عن "أويس القرني" الذي قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إن لاقيته أو ظفرت به فاسأله أن يدعوَ اللَّهَ لك" (١). وهذا تابعي وعمر صحابي، ومن المشهود لهم بالجنة؛ لأن أُويسًا إنما كان بارًّا بوالدته، انقطع عن الدنيا ووقف نفسه لخدمة هذه الوالدة.

ولنعلم أهمية الوالدين، وبهذه المناسبة تذكرت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءته أمُّه التي أرضعته، قام - صلى الله عليه وسلم - فأخذ رداءه بيديه الكريمتين وفرشه لها وأقعدها عليه (٢)، فهل أدَّينا هذه الحقوق؟ هل سألنا عن أمهاتنا من الرضاعة؟ وعن أخواتنا؟ وعن عماتنا وخالاتنا؟ أم أننا قطعنا هذه الصلة؟ إننا في زمن عمل، وفي دار عمل، وسننتقل بعد ذلك إلى دارٍ ليس فيها إلا الجزاء، فينبغي أن نتزود من هذه الدار التي نعيش فيها، ولنستفد ممَّا نقرأ، ومما نستمع، فهذه ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.


(١) أخرجه مسلم (٢٥٤٢/ ٢٢٥) عن أسير بن جابر، قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل … الحديث".
(٢) يُنظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض (١/ ١٢٨) حيث قال: وقال أبو الطفيل رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام إذ أقبلت امرأة حتى دَنت منه فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت من هذه قالوا أمه التي أرضعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>