للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا الأحاديث: "يحرُم من الرضاعة ما يحرُم من النسب" (١). وما في معنى هذه أطلقت، وجاء في أحاديث الرضعة الواحدة لا تُحرِّم، وأن المصة والمصتان لا تُحرِّمان، وجاء في أحاديث أخرى أن الخمسة تُحرِّم، إذًا جاء فقد التنصيص على أن الخمسة تحرِّم، وأنها كانت عشوًا فنُسخْنَ إلى خمس، فهذه ورد فيها نصٌّ صريح، وهنا عندما يتردد الإنسان هل هذه المرأة عند مَن لم يقل بأن أيّ رضاعٍ يحرم؟ عند من يقول مثلًا بالخمس فلو أرضعت أربعًا، شكت هل أرضعت أربعًا أم خمسًا؟!! وعند من يقول بالثلاث هل أرضعت ثلاثًا أم أربعًا؟!! فإنه في هذه الحالة يُبنى على اليقين، فاليقين لا يزول بالشكِّ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما سُئل عن الرجل يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: "لا ينصرفُ حتَّى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (٢). فأنت لو قُدِّر أنك أردت أن تذهب إلى صلاة الظهر، وكنت متيقِّنًا أنك قد توضأت للصلاة، لكن دبَّ الشكٌّ إلى نفسك، هل نقضتَ وضوءك أم لا؟ وأنتَ متيقِّن من أنك قد توضأت، ولكنك شاكٌّ هل نقضتَ الوضوء أم لا؟ بقيت على اليقين؛ فاليقين لا يزول بالشك: وهو أنك على طهارة، هذه مثلها تمامًا؛ فلو شككت في الرضاع فإنه حينئذٍ لا يعتبر، وإنما الذي يعتبر هو الثابت؛ لأن هذه قضية تحريم، ومعنى هذا أن الإنسان سيدخل فيها على هذه المرأة، وسيخلو بها، وسيسافر بها، إذًا سيكون بذلك مَحْرمًا محارمها. فترتَّب على ذلك أحكام، وإن لم تترتب كل الأحكام، فينبغي أن نلاحظ ذلك.

* قوله: (وَالنَّظَرُ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ دَلِيلَيِ الخِطَابِ).

ليست المسألة كما ذكر المؤلِّف، وإنما هو في مفهوم دليل الخطاب (٣).


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (١٣٧)، ومسلم (٣٦١).
(٣) تقدَّم تعريفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>