للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البرص. فهذا حُجة للذين قالوا بأنه لا بدَّ من اليمين. لكن الشاهد هنا عبد اللّه بن عباس قال: "فإن كانت كاذبة لا يحول عليها الحول حتى يبيضَّ ثديها".

فالعلماء وقفوا عند هذا وقالوا: هذا يُعطى حكم المرفوع؛ لأنه لا يمكن أن يقول ذلك عبد الله بن عباس برأيٍ أو قياس؛ لأنه جاء ذلك عن طريق الخبر؛ فكأنه قطع به، فهو حكمٌ توقيفيّ؛ لأنه قال: لا يحول عليها الحول حتى يبيضَّ ثديها. وبهذا نتبين خطورة الأمر من الجانبين، فلا يحلّ لامرأة أن تأتي فتفرِّق بين زوجين وهي كاذبة في هذا الأمر، أو غير متأكدةٍ من ذلك، أو تكون حاجةٌ في نفسها إما أنها حملت ضغينةً على أحد الزوجين، أو على أحدهما فتأتي فتنشر ذلك فتحصل الفُرقة بينهما. وهذا بلا شكَّ ستنال عقوبته في الآخرة؛ لأنها فرَّقت بين زوجين على غير حق، ولا يجوز لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر تعلم أن زوجين قد اجتمعا على أمرٍ غير جائز، أي: رضعا معًا، فلا يجوز لها أن تكتم ذلك، والله تعالى يقول: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣]. إذًا: لا يجوز كتم هذا الأمر، ولا يجوز أيضًا الكذب فيه، وإنما يؤدَّى الحق في هذا المقام؛ فينبغي للمسلم أن ينتبه لهذا الأمر.

ولذلك يقول العلماء: الشاهد لا بد أن يحدد، وما يكفي أن يقول فلانٌ أخٌ لفلان، فلا بدَّ أن يحدد الرضاعة، ونصَّ العلماء على ذلك؛ لأن الأمر ليس بسهل، وقد حصل تفريق في بيوتاتٍ في زمن عثمان - رضي الله عنه - كما ذكر ذلك الإمام الزهري (١) والأوزاعي (٢)، وقد نقلوا في ذلك قصصًا، وحُكي أيضًا عن الإمام مالك في ذلك.

إذًا قضية الرضاع إذا ثبت يُفرَّق بين الزوجين، ويثبت النسب بالنسبة


(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٨/ ٣٣٤) عن الزهري قال: "فرق عثمان بين أهل أبيات بشهادة امرأة".
(٢) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٨/ ١٩١) حيث قال: "وقال الأوزاعي: فرق عثمان بين أربعة وبين نسائهم، بشهادة امرأة في الرضاع".

<<  <  ج: ص:  >  >>