للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النساء وهن في عصمة رجال فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (١).

ونجد أن جمهور العلماء بل كافة العلماء أخذوا بها، وهناك قلة أخذوا بخلافها مع أن ظاهر النصوص يشهد لأولئك القل.

واستدل هذا الفريق بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجل يؤمن باللّه أن يجمع ماءه في رحم أختين". لكن هذا الحديث ضعيف (٢).

ومما استدلوا به: أنهم قالوا: لا يجوز أن يجمع في ملك اليمين بالوطء بين المرأة وابنتها. هذا أمر مجمع عليه، فلماذا خصت هذه من بين المحرمات، والآية قد جمعت عددًا من المحرمات فما بال هذه تخرج منها؟؛ فقالوا: إن الجمع بين الأختين بملك اليمين لا تدل الآية على تحريمه مع أنكم أجمعتم على ما جاء فيها جميعًا.

ويظهر - والله أعلم - أن رأي الجمهور في هذا، هو الراجح وهو الصحيح، وهو الذي تؤيده الأدلة؛ فكما أنه لا يجوز أن يجمع بين الأختين في نكاح ولا الأختين برضاع كذلك لا يجمع بينهما بملك يمين.

والحكمة التي من أجلها حرم بين الأختين: الغيرة؛ لأن كل امرأة تريد أن تنفرد بهذا الزوج ولا تريد أن يشركه غيرها معها من النساء؛ فإذا ما دخلت امرأة أخرى عليها أخذتها الغيرة، هذه الغيرة كثيرًا ما تتحول إلى العداوة والبغضاء؛ فتنتقل بعد ذلك إلى قطيعة الرحم، والله - سبحانه وتعالى - قد


(١) أخرجه مسلم (١٤٥٦/ ٣٣) وغيره عن أبي سعيد الخدري: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بعث جيشًا إلى أوطاس، فلقوا عدوًّا، فقاتلوهم فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله - عز وجل - في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، أي: فهنَّ لكم حلال إذا انقضت عدتهن".
(٢) لم أقف عليه مسندًا، بل يذكر هكذا بلا إسناد. قال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (٣/ ٣٦١): "لا أصل له".

<<  <  ج: ص:  >  >>