للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: هذه الكتابية كافرة وإن كانوا ينتسبون إلى كتاب؛ فإنهم حرفوا وبدلوا؛ إذن هم كفار مشركون لا يجوز أن تنكح نساؤهم. هذا قولهم.

أما جماهير العلماء من الصحابه والتابعين (١) قالوا بجواز ذلك؛ لأن سورة المائدة من آخر ما نزل وفيها قول الله سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].

ويقول الله تعالى فيها: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [المائدة: ٥].

الشاهد: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}؛ فذهب جماهير العلماء إلى مذهبين (٢):

منهم من قال. إن هذه الآية ناسخة للآيتين السابقتين؛ لأنها متأخرة عنهما فهي نسخت ما في عموم قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}.

ومنهم من قال: إن قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} ليس على إطلاقه المراد به عامة المشركين ولا يراد بذلك أهل الكتاب؛ بدليل أن الله سبحانه وتعالى يقول: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} ففرق بينهما، وقال في نفس السورة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} وقال سبحانه وتعالى في سورة المائدة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.


(١) يُنظر. "الإشراف"، لابن المنذر (٥/ ٩٢)؛ حيث قال: "رخص في نكاحهن أكثر أهل العلم، روي إباحة ذلك عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وجابر بن عبد الله، وطلحة. وبه قال عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وطاوس، وسعيد بن جبير، والزهري، والثوري".
(٢) تقدَّم ذكر مذاهب أهل العلم في هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>