للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النكاح بعيب" (١). وهذا هو الذي أخذ به أبو حنيفة (٢) انفرادًا عن الأئمة، لكن أبا حنيفة قال: أستثني من ذلك: أن يكون الزوج مجبوبًا أو أن يكون عنينًا، والمرأة يكون بها رتقٌ أو إن وجد بها؛ فأبو حنيفة يلتقي مع جمهور العلماء فيما يتعلق بالعيوب التي تختص بها المرأة أو التي تختص ببعضها، وأما العيوب التي يختص بها الرجل مثل الجذام والبرص والجنون هذه لا تأثير لها عند أبي حنيفة، ويرى أن هذه كلها لا تقتضي الفسخ، وإن وجد ما يرى أنه لا يؤثر فإنها تطلق طلقة واحدة على يد الحاكم.

لأن العيوب لا تقتضي الفسخ؛ فلو كان الزوج أعمى لا يفسخ النكاح، أو كان مريضًا مرض مزمنًا لا يفسخ النكاح، لو كان أعرج لا يفسخ النكاح، لو كان به قرع الذي يصيب الرأس لا يفسخ النكاح، ولو كان به خصي عند أبي حنيفة لا يفسخ النكاح، ووجود الرائحة أيضًا لا تأثير له عند أبي حنيفة، فهناك صور كثيرة لا يفسخ فيها النكاح.

وقضية الفسخ في الخيار موضع اتفاق بين العلماء؛ بأن الذي يتولى ذلك هو الحاكم؛ لأن هذه العيوب مختلف فيها، هل تقتضي الفسخ أو لا؟ فالذي يرفع ذلك الخلاف هو حكم الحاكم.

* قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ شَيْئَانِ، أَحَدُهُمَا: هَلْ قَوْلُ الصَّاحِبِ حُجَّةٌ (٣)، وَالآخَرُ: قِيَاسُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ عَلَى البَيْعِ؟).

المقايسة التي سلكها المؤلف في باب النكاح قياس النكاح على


(١) لم أقف عليه.
(٢) يُنظر: "البناية شرح الهداية"، للعيني (٥/ ٥٨٨ - ٥٩٠)، حيث قال: "وإذا كان بالزوجة عيب فلا خيار للزوج … وإذا كان بالزوج جنون أو برص أو جذام فلا خيار لها عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لها الخيار دفعًا للضرر عنها، كما في الجب والعنة، بخلاف جانبه، لأنه متمكن من دفع الضرر بالطلاق، ولهما أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج، وإنما يثبت الخيار في الجب والعنة؛ لأنهما يخلان بالمقصود المشروع له النكاح، وهذه العيوب غير مخلة به فافترقا".
(٣) تقدَّم الكلام على هذه المسألة، وأنه حجة إذا لم يكن له معارض.

<<  <  ج: ص:  >  >>