للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)} [الأحزاب: ٢٨ - ٢٩]، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - وقال: "إني ذاكرٌ لكِ أمرًا، ولا عليكِ ألا تَعْجَلِي حتى تستأمري أبويكِ"، ثم تلا عليها هذه الآية، فما كان منها إلا أن قالت: "إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة".

ثم بعد ذلك مَرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببقية زوجاته فَقُلْنَ مثل ما قالت عائشة - رضي الله عنها -.

وقد جاء في بعض الروايات خارج "الصحيحين" أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - أتَيَا فلم يؤذن لهما، ثم لما أُذِنَ لهما بالدخول رأى عُمَرُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صامتًا وكأنه متأثِّر، فقال لأبي بكرٍ: "سأقول مقولةً تُضحِكُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -"، فقال: "طَلَبَتْ مني بنتُ زبدٍ - يعني: امرأته - النفقةَ، فَضَرَبْتُها على رقبتها"، فضحِكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بَدَتْ نواجِذُه، فقال: "وَهُنَّ يَطْلُبْنَ النفقةَ"، فقام أبو بكرٍ - رضي الله عنه - ليضرب عائشةَ، وقام عُمَرُ ليضرب حفصةَ، فنهاهما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خَيَّرَهُمَا، فتَمَّ الأمرُ حينئذٍ.

وحاشا زوجات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَخْتَرْنَ الدنيا وزِينَتَها، ولذلك عندما بدأ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعائشة وخَيَّرَهَا، فإنها حينئذٍ لم تستشر أبويها، ولكنها قَضَتْ باختيارها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والدار الآخرة لا الدنيا وزخرفها، ولذلك قالت في بعض الروايات: "وهو يعلم أن أبَوَيَّ لا يَرضَيَان بفراق رسول الله"، وهكذا كان سائر أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، فكانت النتيجة أن نِلْنَ السعادةَ في الدنيا والأجرَ العظيمَ في الآخرة.

وهكذا ينبغي للمسلم ألا يجعل الدنيا غايته أو يَركَنَ إليها، بل كلما تَرَكَ المسلمُ شيئًا لله عَوَّضَه اللهُ خيرًا منه لا مَحالَةَ، فإنما الدنيا لا قيمة لها؛ لأنها لو كانت تساوي عند الله سبحانه وتعالى جناحَ بعوضةٍ ما سَقَى كافرًا منها شَربَةَ ماءٍ (١)، ولذلك كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ابغوني في فقرائكم" (٢).


(١) أخرجه الترمذي (٢٣٢١)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٥٢٩٢).
(٢) أخرجه أبو داود (٢٥٩٤) بلفظ: "ابغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>