كما أن هذه القصة درسًا ينبغي أن تتعلمه كلُّ زوجةٍ مسلمةٍ تقيةٍ، بحيث لو رأت أن المسالك قد ضاقت على زوجها فلا ينبغي عليها حينئذٍ أن تَجْمَعَ عليه مشقَّةَ الرزق وهَمَّ مُطالَبَتِهَا بزيادة الإنفاق، وإنما الأمر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أصبح منكم معافًى في بدنه، آمِنًا في سِربِه، عنده قُوتُ يومه وليلته، فكأنما سِيقَت له الدنيا بحذافيرها".
قوله: (قَالَتْ عَائِشَةُ: "خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاخْتَرْنَاهُ"، فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا) (١).
وهذه المسألة سيأتي الكلام عنها، فيما إذا كان اختيارُ المرأةِ زوجَها بعد التخيير طلاقًا أم لا.
فجمهور العلماء - ومنهم الأئمة الأربعة - على أنه لا يكون طلاقًا، بدليل حديث عائشةَ - رضي الله عنها -: "فلم يكن طلاقًا"، وفي بعض الروايات:"فلم نَعُدُّهُ طلاقًا".
وهناك قول آخر قال به قلةٌ بأنه يقع طلاقًا حينئذٍ؛ لأن الزوج عندما خَيَّرَ زوجتَهُ فإنما يكون قد نوى طلاقَهَا، وسيأتينا في باب الطلاق أن جمهور أهل العلم على أن مَن نوى الطلاق ولم يتلفظ به لا يقع طلاقُهُ.
قوله:(لَكِنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ يَرَوْنَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُنَّ لَوِ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ، طَلَّقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَا أَنَّهُنَّ كُنَّ يُطَلَّقْنَ بِنَفْسِ اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ).
وهنا يجدر التذكير بقصة فاطمة بنت قيسٍ، عندما طَلَّقَها زوجُها، فبعَثَ إليها بشعيرٍ، فسخِطَتْه، إلى أن طلبَ منها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن تَعْتَدَّ وأن تؤذنَه، فلما جاءت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخبَرَتْهُ أنه قد خَطَبَهَا أبو جَهمٍ