للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعاويةُ بن أبي سفيان، قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْكِحِي أسامةَ بنَ زيدٍ"، فقالت: "أسامة! أسامة! " كأنما سَخِطَتْه، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أطيعي الله ورسوله"، فنَزَلَت على أمر الله وأمر رسوله، فقالت: "فاغْتَبَطْتُ به" (١).

قوله: (وإِنَمَا صَارَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ التَّخيِيرَ وَالتَّمْلِيكَ وَاحِد فِي الحُكْمِ؛ لِأَنَّ مِنْ عُرْفِ دَلَالَةِ اللُّغَةِ أَنَّ مَنْ مَلَّكَ إِنْسَانًا أَمْرًا مِنَ الأُمُورِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَه، فَإِنَّهُ قَدْ خَيَّرَهُ).

وهذا يدلنا على أن اللغة العربية لا غنى عنها في دراسة العلوم الشرعية؛ هذا لأن الله - سبحانه وتعالى - إنما أَنزَلَ هذا القرآنَ بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، حتى أن العرب أهل الفصاحة والبيان وقفوا حيارى مشدوهين أمام القرآن وبلاغته التي استولت على العقول، بل إن المغيرة لَمَّا قرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة (فُصِّلَتْ) وضع يده على فِي رسول الله وسأله بالرَّحِمِ أن يَسكُتَ؛ لِمَا رآه من بلاغةٍ يستحيل محاكاتُها، فقال مقالته الشهيرةَ: "إن له لحلاوةً، وإن عليه لطلاوةً، وإن أعلاه لمثمرٌ، وإن أسفله لمغدقٌ، وإنه يعلو ولا يُعلَى عليه" (٢)، ولهذا السبب تَحَدَّى اللهُ - سبحانه وتعالى - العربَ أن يأتوا بعشر سُوَرٍ من مثله فعجزوا، وتحداهم - سبحانه - أن يأتوا بسورةٍ من مثله فعَجَزوا كذلك.

فاللغة العربية - لكل هذه الأسباب - هي مفتاح لعلوم الشريعة المبارَكة، فعلم الأصول - على سبيل المثال - به مباحث كثيرةٌ من علوم اللغة، وكذلك التفسير الذي لا يُستَغنَى فيه عن اللغة العربية، حتى أن الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) ذَكَرَ من شروط المجتهِد أن يكون على درايةٍ باللغة وقواعدها.


(١) أخرجه مسلم (١٤٨٠).
(٢) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (١/ ٢٨٧)، وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (١/ ٢٢٣): "إسناده جيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>