قوله:(وَأَمَّا مَالِكٌ (١): فَيَرَى أَنَّ قَوْلَهُ لَهَا اخْتَارِينِي أَوِ اخْتَارِي نَفْسَكِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ بِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي مَعْنَى البَيْنُونَةِ بِتَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَه، لِأَنَّ المَفْهُومَ مِنْهُ إِنَّمَا كانَ البَيْنُونَةَ).
والذي أراه أن هذا التعليل الذي عَلَّلَ به المالكيةُ ما ذهبوا إليه ضعيفٌ في مقابل مذهب جمهور أهل العلم، فالأصل في الطلاق أنه بيد الرجل، وإذا فَوَّضَ الرجلُ امرأته فإن الأمر يرجع إليه في عدد ما نوى من الطلاق، فإذا لم يقل عددًا بعينه فالعلماء يذهبون حينئذٍ إلى أن تكون طلقةً واحدةً رجعيةً، وهذا أقرب للصواب في المسألة عندي.
الإمام مالكٌ هاهنا لا يقبل قول الزوج؛ لأن التمليك عنده كنايةٌ ظاهرةٌ، بينما التمليك عند جمهور أهل العلم هو كنايةٌ محتمَلةٌ غير ظاهرةٍ، بل إنهم - أعني: جمهور العلماء - يفرقون بين صريح الطلاق وكناياته بأن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نيةٍ وكناياته تحتاج إلى النية.
فالمالكية لهم تعليلٌ، والجمهور كذلك لهم تعليلٌ.
والحاصل من الأمر: أن الزوج إذا مَلَّكَ زوجَتَه أو خَيَّرَها فإنه يكون قد أعطاها الفرصة في تطليق نفسها، مما يعني أنه لا فرق حينئذٍ بين التمليك والتخيير؛ لأنه ما دام قد مَلَّكَهَا أمرها فإن لها الحق حينئذٍ في أن تفعل ذلك أو لا تفعله.
(١) يُنظر: "التاج والإكليل" للمواق (٤/ ٩٤) حيث قال: "من قال لامرأته بعد البناء اختاري نفسك فقالت قد اخترت نفسي فهي ثلاث ولا مناكرة للزوج".