للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس مذهب المالكية والشافعية فقط، وإنما كذلك هو مذهب الحنابلة، فالمالكية يوافقون الشافعية والحنابلة في التمليك، ثم يخالفونهم في أنهم يفرقون بين التمليك والتخيير بحيث يرون أن التخيير يقع بائنًا ثلاثًا.

أما أبو حنيفة فيرى أنها تقع طلقة واحدة بائنة.

قوله: (وَإِنَّمَا رَأَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهَا بَائِنَةٌ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، لَمْ يَكُنْ لِمَا طَلَبَتْ مِنَ التَّمْلِيكِ فَائِدَة، وَلمَا قَصَدَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ).

والمتأمل في تعليل أبي حنيفة لا يخالطه شكٌّ في أن اجتهادات الأئمة لا تتأتى منهم تشهيًا ولا رغبةً في المخالَفة، وإنما هي اجتهاداتٌ مبنية على أدلةٍ وتعليلاتٍ وجيهةٍ.

فأبو حنيفة يعلِّل ما ذَهَبَ إليه من أن اختيار الزوجة نفسها يقع طلقة واحدة بائنة، بأنها إنما اختارت نفسها واختارت الفراق لرغبتها في البُعد عن زوجها ومفارقته أبدًا، فإذا أبقينا الأمر في يده وقلنا بطلقةٍ رجعيةٍ فلا معنى حينئذٍ من اختيار المرأة نفسها، بل إن القول بالطلقة الرجعية حينئذٍ يناقض معنى التخيير عند أبي حنيفة، لأنه في هذه الحالة صار بإمكان الزوج مراجعتها في أثناء العدة، مما يضيع معه مقصود التخيير.

لكن المتأمِّل في أسس الشريعة وما تنبني عليه من وجوب توافر الأُلفة والمودة في الرباط بين الزوجين يدرك أن مذهب الجمهور إنما هو الأقرب لروح الشريعة ومقاصدها.

قوله: (وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي التَّمْلِيكِ ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا فِي ذَلِكَ، فَلِأَنَّ مَعْنَى التَّمْلِيكِ عِنْدَهُ إِنَّمَا هُوَ تَصْيِيرُ جَمِيعِ مَا كانَ بِيَدِ الرَّجُلِ مِنَ الطَّلَاقِ بِيَدِ المَرْأَةِ، فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ فِيمَا تُوقِعُهُ مِنْ أَعْدَادِ الطَّلَاقِ).

أي: أن من ذهب إلى هذا القول فإنما ذهب إليه إلحاقًا له بالتخيير، كما هو مذهب المالكية.

<<  <  ج: ص:  >  >>