للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفهوم، فهناك في الأصول مفهوم الموافقة (١) ومفهوم المخالفة (٢)، وهم يعارضون في المفهوم، ولا يرون القياس، ولهم تعليلات غير واردةٍ، مع أنَّ الشريعة أثبتت القياس في دلالات الكتاب العزيز وفي السنة، فمن ذلك قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (٢)} [الحشر: ٢] الاعتبار هو المقايسة، وفي قصة الرجل الذي جاء وشكا أنَّ امرأته ولدت له ولدًا يخالف لون أبيه وأمه، فضرب له الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلًا قايسه في ذلك (٣).

قوله: (وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ، لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ دَلَالَة وَضعِيَّة (٤) بِالشَّرْعِ، فَصَارَ أَصْلًا فِي هَذَا الْبَابِ).

معنى وضعية؛ أنه وضع للدلالة على هذا المقصود، فكلمة طلق يطلق لفظ له مدلولٌ لغويٌّ وشرعيٌّ، ومدلوله الشرعي يتفق مع اللغوي، لكن المدلول


(١) مفهوم الموافقة: هو ما كان حكم المسكوت عنه ليس أولى من حكم المنطوق به، بل يساويه ويسمى لحن الخطاب، أي معنى الخطاب، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)}، فقد دلت الآية بمنطوقها على تحريم أكل أموال اليتامى، ودلت بمفهومها على تحريم إحراقها وإغراقها، وهذا هو المسكوت عنه، فنبَّه بالمنع من الأكل على كل ما يساويه في الإتلاف. يُنظر: "مختصر الروضة" للطوفي (٢/ ٧١٦).
(٢) مفهوم المخالفة: هو إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه. ويسمونه دليل الخطاب، لأن الخطاب دل عليه. مثاله: قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} المنطوق: وجوب تحرير رقبة مؤمنة، والمفهوم: منع تحرير رقبة كافرة. يُنظر: "مختصر الروضة" للطوفي (٢/ ٧٢٤).
(٣) أخرجه البخاري (٥٣٠٥)، ومسلم (١٥٠٠) عن أبي هريرة، قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: "فما ألوانها؟ " قال: حمر، قال: "هل فيها من أورق؟ " قال: إن فيها لورقًا، قال: "فأنى أتاها ذلك؟ " قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: "وهذا عسى أن يكون نزعه عرقٌ".
(٤) الدلالة الوضعية: هي دلالة اللفظ على أصل وضعه في اللغة. يُنظر: "روضة الناظر" لابن قدامة (ص ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>