للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجنون لا عقل له، لأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ" (١)، والصغير الذي لا يعتبر قوله، ألحقوه بمثابة من لا يحصل منه المشيئة مثل الجماد، والقصد بالصغير: الذي لا يوقع عليه الطلاق، فإدخال الصبي والمجنون لكونهما غير مكلفين.

فلو قلت طلاق المجنون والصغير يقع كأنك وضعت القلم عليهما، وهذا خلاف ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه يقول: "رفع القلم عن ثلاثة"، فالرسول رفعه وأنت وضعته عليهما، فكأنك ألزمت بأمرٍ لم يكن لازمًا، فهنا يلحق الأمر بطلاق الهازل، فالإنسان يقول: زوجتي طالق إن شاء هذا الجدار، فشبهوه بطلاق الهازل، والهازل مختلفٌ في طلاقه، والصحيح أنه يقع؛ لأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث جدهن جدٌّ وهزلهنَّ جدٌّ: الطلاق والنكاح والرجعة" (٢) وفي روايةٍ: بدل الرجعة العتاق (٣).

ولذلك لا ينبغي للمسلم أن يطلِّق ثم يقول: أنا هازلٌ، أنا أمزح، أنا أضحك.


= ينظر في مذهب الأحناف: "درر الحكام"، لمنلا خسرو (١/ ٣٧٩)، وفيه قال: " (قال: أنت طالقٌ إن شاء اللّه متصلًا، أو ماتت قبل ذكر الشرط لم يقع) الطلاق أما الأول فلأن التعليق بشرط لا يعلم وجوده مغير لصدر الكلام ولهذا اشترط اتصاله، وأما الثاني فلأن الكلام خرج بالاستثناء عن أن يكون إيجابًا، والموت ينافي الموجب لا المبطل (وإن مات) الزوج قبل الشرط (وقع) الطلاق؛ إذ لم يتصل بكلامه الشرط".
وينظر في مذهب الشافعية: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري (٣/ ٣٠٤) حيث قال: " (لو علق بمستحيل عرفًا كصعود السماء) والطيران وإحياء الموتى إذا أراد به المعنى المراد في قوله تعالى حكاية عن عيسى - عليه السلام -: {وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} (أو عقلًا كإحيائها الموتى) والجمع بين الضدين (أو شرعًا كنسخ صوم رمضان لم تطلق)؛ لأنه لم ينجز الطلاق وإنما علقه ولم توجد الصفة، وقد يكون الغرض من التعليق بالمستحيل امتناع الوقوع لامتناع وقوع المعلق به".
(١) أخرجه أبو داود (٤٣٩٨) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٩٧).
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>