للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّكْرَانَ أَدْخَلَ الْفَسَادَ عَلَى عَقْلِهِ بِإِرَادَتِهِ؛ وَالْمَجْنُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، أَلْزَمَ السَّكْرَانَ الطَّلَاقَ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ) (١).

الذين قالوا بأن طلاقه يقع استدلوا بحديث: "كل طلاقٍ جائزٍ إلا طلاق المعتوه" (٢).

وقالوا أثر ذلك عن علي بن أبي طالبٍ، ومعاوية بن أبي سفيان (٣)، وعبد اللّه بن عباس - رضي الله عنهما - فقد جاء عن عبد اللّه بن عباسٍ أنه قال: طلاق السكران جائز (٤)، إذًا "كل طلاق جائزٍ إلا طلاق المعتوه"، لكن الحديث ضعيف (٥)، واستدلوا أيضًا بأثر عليٍّ في هذا المقام، وبما نقل عن ابن عباسٍ أيضًا.

وذهب الفريق الآخر من العلماء: إلى أنَّ طلاق السكران لا يقع، وذلك صحَّ عن عثمان - رضي الله عنه - (٦)، قالوا: بأنه لم يخالفه أحد من الصحابة،


(١) قال السرخسي في "المبسوط" (٦/ ١٧٦): "غفلته عن نفسه لما كانت بسبب هو معصية، ولا يستحق به التخفيف، لم يكن ذلك عذرًا في المنع من نفوذ شيءٍ من تصرفاته بعدما تقرر سببه، لأنَّ بالسكر لا يزول عقله إنما يعجز عن استعماله، لغلبة السرور عليه".
(٢) أخرجه الترمذي (١١٩١) وضعَّفه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٠٤٢).
(٣) أخرج عبد الرزاق في مصنفه (٦/ ٤٠٩)، عن علي قال: "كلُّ طلاقٍ جائزٌ إلا طلاق المعتوه".
وأثر معاوية أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٥٨٩)، وفيه: قال الزهري: فذكر ذلك لرجاء بن حيوة فقال: قرأ علينا عبد الملك بن مروان كتاب معاوية بن أبي سفيان فيه السنن أن كل أحدٍ طلق امرأته جائز إلا المجنون.
(٤) نقل ذلك ابن قدامة في المغني (٧/ ٣٧٩)، فقال: قال ابن عباس: "طلاق السكران جائز". لكن المشهور عنه أنه يرى عدم وقوعه. فقد أخرج البخاري في صحيحه (٧/ ٤٥) معلقًا عن ابن عباس، قال: "طلاق السكران والمستكره ليس بجائزٍ". وبنحوه أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٩/ ٥٦٩) عن ابن عباس أنه قال: "ليس لمكرهٍ ولا لمضطهدٍ طلاقٌ" وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٨٣٣٠).
(٥) في سنده عطاء بن عجلان، وهو متروك الحديث. يُنظر: "إرواء الغليل" (٧/ ١١٠).
(٦) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٣٥٩) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٠٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>