للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال به كثيرٌ من العلماء (١)، واحتج بعضهم بحديث: "رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق" (٢).

قالوا: والسكران بمذهب المجنون؛ لأنه لا يعي ما يقول، ولا يدرك ما يفعله. والمقصود بالسكران هنا: هو الذي يصل إلى درجة أنه لا يدرك الأمور، فلا يفرِّق مثلًا بين ثوبه وبين ثوب غيره، ولا قلمه ولا قلم غيره، أما إذا كان مدركًا للأمور فإنَّ أمره يختلف، إذًا قالوا: هذا يلحق بفاقد العقل؛ ولأن المغمى عليه والنائم لا يقع طلاقهما، فكذلك أيضًا السكران.

ويُعترض عليهم بأنه فرقٌ بين من زال عقله من غير قصدٍ، وبين من زال عقله بفعله وقصده، والذين قالوا بأنَّ الطلاق لا يقع، قالوا: لو قدر بأنَّ إنسانًا كُسر ساقه ألا يصح له أن يصلي جالسًا، قالوا: بلى، قالوا: هو تعمد أيضًا لو لم يكسر ساقه لصلى قائمًا، والصلاة لا تصح على القيام إلا إذا كان قائمًا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ" (٣) وهذا تسبب أن يصلي قاعدًا، ومع ذلك تصح صلاته.

قوله: (وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ بِالْجُمْلَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَمَا لَا يَلْزَمُهُ).

ليس الأمر مقصورًا بالنسبة له على ما يتعلق بالطلاق، بل هناك بيعٌ، وهناك شراءٌ، ربما يسرق أو يقر بديْنٍ من الديون على نفسه، وربما يقذف غيره، وربما يعتق عبده، هناك أحكامٌ كثيرةٌ جدًّا، فلو هذه حصلت من السكران في حالة سكره، أصبحت أحكامًا مقررةً عليه، أو أنَّ الطلاق يختلف عنها.


(١) تقدَّم أنه قول الكرخي والمزني والطحاوي.
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (١١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>