للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِدَّةِ، فَلِأَنَّ الْعِدَّةَ عِنْدَهُ مِنْ بَعْضِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَكَأَنهُ شبَّهَهَا بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ عَائِشَةَ.

وَأَمَّا مَنِ اشْتَرَطَ فِي تَوْرِيثِهَا مَا لَمْ تَتزَوَّجْ فَإِنَّهُ لَحَظَ فِي ذلِكَ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَرِثُ زَوْجَيْنِ (١)، وَلكنِ التُّهْمَةِ هِىَ الْعِلَّةُ عِنْدَ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْمِيرَاثَ).

وجهة الذين قالوا أنها ترث ما دامت في العدة؛ لأنها إذا كانت في العدة فهي باقية في عصمة الزوج، له أن يراجعها فتأخذ حكم الزوجة، ومن قال ما لم تتزوج من بعده ولم ترتبط بزوج آخر، فلو أنها ارتبطت بآخر فكيف ترث من اثنين هذه وجهة هؤلاء، ومن قال بأنها ترث مطلقًا، قالوا: أن القصد من توريثها هو من باب سدِّ الذرائع، حتى لا يكون ذلك مدخلًا من بعض الرجال إذا غضب من زوجته فأدرك أنه في مرض موته، فغلب على نفسه مفارقة هذه الحياة، فيقوم فيطلق هذه الزوجة التي أنهكت


= أبي مليكة قال: سألت ابن الزبير عن رجلٍ طلق امرأته وهو مريضٌ ثم مات، فقال: قد ورَّث عثمان ابنة الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكانت قد بت طلاقها ومات في عدتها فورثها عثمان، قال ابن الزبير: وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتةٌ".
(١) لم أقف على من نقل الإجماع في تلك المسألة، وهو تعليل لمن منع توريثها إذا تزوجت، كما ذكر السرخسي في "المبسوط" (٦/ ١٥٦) قال: "وما قاله مالكٌ من بقاء الميراث بعد التزوج بعيد؛ لأنَّ المرأة الواحدة لا ترث من زوجين بحكم النكاح".
وقال أبو الفرج المقدسي في "الشرح الكبير" (٧/ ١٨٣): "ولنا أن هذه وارثة من زوج فلا ترث زوجًا سواء كسائر الزوجات، ولأن التوريث في حكم النكاح فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر".
وقال الجويني في "نهاية المطلب" (١٤/ ٢٣٢): "فإنها لو نكحت، صارت محل أن ترث زوجها الثاني، فبعد أن تورث من زوجين".
أما المالكية فإنهم أجازوا ميراثها من أكثر من زوج بشرط تطليقها في مرض الموت، قال ابن شاس في "عقد الجواهر الثمينة" (٢/ ٥٢٤): "بل لو تزوجت عدة أزواج، وكل منهم يطلقها في مرض موته لورثت الجميع، وإن كانت في عصمة رجل حي، وإنما ينقطع ميراثها ممن يطلقها، بأن يصح من المرض الذي طلقها فيه صحة بينةً".

<<  <  ج: ص:  >  >>