للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تستعمل هذا اللفظ على معنى التنبيه على الدليل فتقول: إن ارتبتم في كذا مع ظهوره ووضوحه فيجب أن يمنعك من الارتياب أمر، كذا قال الله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤] ومعنى ذلك نفي الشك والارتياب عن مثل هذا لوضوحه وظهور أدلته، ووجه آخر: وهو أن يكون أن ارتبتم الآن، فإنه يجب أن يقطع الارتياب هذا النص، وهذا اللفظ يستعمل بمعنى الحال، ولذلك يقول: إن شئت لأن فعلت كذا، وقد يستعمل بمعنى المضي فتقول: إن كنت تشك في كذا فحكمه كذا، وهذا بينٌ واضحٌ، والأول أظهر.

قوله: (وَأَمَّا إِسْمَاعِيل، وَابْنُ بُكَيْرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (١)، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الرِّيبَةَ هَاهُنَا فِي الْحَيْضِ، وَأَنَّ الْيَائِسَ فِي كلَامِ الْعَرَبِ هُوَ مَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِمَا يَئِسَ مِنْهُ بِالْقَطْعِ، فَطَابَقُوا تَأْوِيلَ الْآيَةِ مَذْهَبَهُمُ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَنِعْمَ مَا فَعَلُوا، لِأَنَّهُ إِنْ فُهِمَ هَاهُنَا مِنَ الْيَائِسِ الْقَطْعُ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ تَنْتَظِرَ الدَّمَ وَتَعْتَدَّ بِهِ حَتَّى تَكُونَ فِي هَذَا السِّنِّ - أَعْنِي: سِنَّ الْيَائِسِ -، وإنْ فَهِمَ مِنَ الْيَائِسِ مَا لَا يقْطَع بِذَلِكَ فَقَدْ يَجِب أَنْ تَعْتَدَّ الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا عَنِ الْعَادَةِ وَهِيَ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ بِالْأَشْهُرِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْيَائِسَةَ فِي الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ هِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِدَّةِ لَا بِالأقْرَاءِ وَلَا بِالشُّهُورِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا قَبْلَ التِّسْعَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَاسْتِحْسَانٌ).

قوله: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}؛ أي: إن لم تعلموا أتحيض أم لا تحيض (فاللائي قعدن عن المحيض) يئسن منه لكبرهن (واللائي لم يحضن بعد) كذا قالوا: التي كبرت ولم تبلغ {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} في غير المتوفى


(١) يُنظر: "تفسير الطبري" (٢٣/ ٤٩)؛ حيث قال: "فقال بعضهم: معنى ذلك: إن ارتبتم بالدم الذي يظهر منها لكبرها، أمن الحيض هو، أم من الاستحاضة: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} ".

<<  <  ج: ص:  >  >>