للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحنابلة (١): أنه يلزمه حُكم الإيلاء إذا قصد الإضرار بترك الوطء؛ لأن هذا وإن لم يكن إيلاءً إلا أن فيه ضررًا على الزوجة، ولذلك فإنه يؤمر بالوطء، فإن فاء وَوَطِئَ وإلا أُمِرَ بالطلاق، فإن لم يُطَلِّق طُلِّقَتْ عليه.

ولذلك قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كلُّ يمين منع جماعها فهو إيلاء" (٢).

أما إذا تَوَقَّفَ عن الجماع بقصد تأديب المرأة فله ذلك، كما جاء في ذِكْرِ النشوز (٣) في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}، فإن الله تعالى أَمَرَ الزوج بهجر زوجته الناشز في المضجع تأديبًا لها؛ لتستقيم أمورها وتصلح أحوالها.

أما إن فعله بقصد إلحاق الضرر بها وإيذائها، فلا شكَّ أن هذا لا يجوز؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الضرر وقال: "لا ضرر ولا ضرار، ومن ضار ضره الله سبحانه وتعالى" (٤)، فالضرر ممنوعٌ بأيّ صفة من الصفات.

قوله: (فَالجُمْهُورُ اعْتَمَدُوا الظَّاهِرَ).

أي: أن الجمهور اعتمدوا ظاهر الآية، لأن الله سبحانه وتعالى قَيَّدَ الإيلاء بوجود القَسَم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}، والإيلاء إنما هو القَسَم، و (يؤلون) معناها: يُقسِمون، فإذا لم يَكُن قَسَمٌ لم يَكُن إيلاءٌ.

والمالكية والحنابلة في روايتهم الأخرى قالوا: إن العلة التي من


(١) يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٥/ ٣٥٣ - ٣٥٤)، حيث قال: " (وإن تركه)، أي: ترك الزوج الوطء (مضرًا بها من غير عذر) لأحدهما (ضربت له مدته) أربعة أشهر (وحكم له بحكمه)، أي: الإيلاء؛ لأنه تارك لوطئها ضررًا بها أشبه المولي".
(٢) أخرجه البيهقي (٧/ ٦٢٦).
(٣) يُنظر: "العين" للخليل (٦/ ٢٣٢)، حيث قال: "نشز: نشز الشيء، أي: ارتفع. وتل ناشز وجمعها: نواشز. وقلب ناشز إذا ارتفع عن مكانه من الرعب".
(٤) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>