فالحنفية إذن يعللون ما ذهبوا إليه من القول ببينونة الطلاق هاهنا بأن القول بالطلاق الرجعي يُبقِي الضرر واقعًا على الزوجة؛ إذ تبقى المشكلة قائمةً، بحيثُ إن طلَّقَها فإن بإمكانه أن يردها إليه في أثناء العدة، وبهذا يتكرر الضرر الذي أوقعه على الزوجة من تركه للوطء مرة أخرى.
أما الجمهور فيجيبون على هذا بأن تمكين الزوج من الرجعة في أثناء العدة إنما يُقصَدُ به إعطاء الفرصة للزوج في مراجعة نفسه وإدراك خطئه، وهذه هي الحكمة التي من أجلها شَرَعَ الله سبحانهُ وتعالى العدة، في قوله تعالى:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، وإذا كان المُطلِّق - وهو أشد - يتراجع ويفكر فكذلك المولِي، فما المانع إذن أن تُعطَى الفرصة للمولي كي يفكر مَلِيًّا ويراجع نفسه بحيثُ يكون الرجوع عن الخطأ حينئذٍ سهلًا ميسورًا أمامه.
ولا شكَّ أن هذا التعليل للجمهور إنما هو أقوى حُجَّةً وأقرب لروح الشريعة ومقاصدها.
وهذا القول الذي أورَدَه المؤلف من أن القول بالبينونة فيه تغليبٌ للمصلحة لا نُسَلِّم به؛ فليس هناك ما يمنع أن تكون المصلحة في مذهب الجمهور.
والواقع إنما يشهد لذلك، بحيثُ إن هذا الزوج ربما كان شابًّا مندفعًا أو رجلًا يَغلِبُهُ غضبه، فإذا ما حصل منه ذلك وأحَسَّ بأن المرأة قد طُلِّقَت وأوشكت أن تفارقه فحينئذٍ ربما فَكَّرَ في الأمر وأعاد حساباته فترتَّبَ على