للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حزم قوي العبارة صعبًا، فيَنْبغي الحذر من منهجهِ وأسلوبِهِ وطريقتِهِ، فلا يخرج المطالع لكتابه عن حد الاتزان، فيَنْبغي وأَنت تدرس الفقه -مثلًا- أن تضعَ نصب عينيك ما يتعلَّق بأمر العقيدة حتى لا تزل قدمك.

فمن العلماء الأجلَّاء الفضلاء: الإمام القرطبي المعروف، وعندما يقرأ طالب العلم الذي وهبه اللّه تعالى سعة أفق ومعرفة وإدراك، يدرك الأمور التي زلَّت بها قدمه في العقيدة، ولا يدرك هذا الإنسان العادي، فكَمْ رأينا مَنْ عُرِفَ بسلامة المنهج، وزلت قدمه بسبب التأثر ببعض الكتب؛ فليحذر ذلك.

فَهَذا الإمام الشوكاني -رَحِمَه اللهُ-: وقع في كثير من ذلك؛ لمتابعته من قبله ونقله عنهم، فَطَالب العلم لا بأس أن يقرأ في أي كتاب خلا الكتب المليئة بالسموم، والمحشوة بالأفكار الخارجة عن الطريقة السوية، فليتجنبها؛ ففي القراءة فيها تضييعٌ للوقت بلا فائدة، وخير ما يدرسه طالب العلم كتب أهل العلم القديمة، فقراءة هذه الكتب هي التي خرجت العلماء.

أما الآن -فمع الأسف- أصبح بعض طلاب العلم يطلب السُّهُولة في التَّعلُّم؛ فيأتي المُدرِّس، ويَختار المسائل السهلة الميسورة، وَيسُوغها بعبارته، ويقدمها لهم سهلةً شهيةً، فيتقدم فيها في الاختبار، لكن ما هي النتيجة؟!

مَنْ سبقنا من علمائنا، امتازوا علينا وسبقونا، وَوَهبهم اللّه سعةً في العلم لدراستهم كتب التراث، والعِلْمُ لا ينال بالتمني، و"ياليت" "ولو أني"! كلا، بل لا بد من جَدِّ، واجتهادٍ، ومثابرةٍ (١) في الاطلاع والقراءة، واستماعٍ للمشايخ، إلى غير ذلك من أُمُورٍ.

فالكُتُبُ القَديمةُ جُربَت، وقد أَمل أنا من عباراتها، وقد أجد صعوبةً في التعامل معها، قَدْ لا أجد مدرسًا يُوضِّح لي كل العبارات، لكن ما


(١) "المثابرة على الشيء": المُوَاظبة عليه. انظر: "الصحاح" للجوهري (٢/ ٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>