للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يدرك كله لا يترك كله، فلنعوِّد أنفسنا على هذه الكتب القيمة التي خرَّجت العلماء على الحقيقة.

فعندما تقرأ مسألةً من المسائل في كُتُب التراث، وتُعمل فكرَك فيها، وتُدقِّقُ النظر، فسيتروض فكرك على ذلك ويتعوَّد بخلاف ما لو عودتَ نفسك على الكتب المعاصرة البسيطة والسهلة؛ فلَنْ يسهل عليك التعامل مع نصوص التراث؛ بل ربما لو جلستَ تفكِّر ساعةً، تتعب وَتملُّ.

وَنَنصح هنا: بالتَّركيز على كِتَاب أو عدَّة كُتُب لبعض أعلام علماء الأمة حتَّى لا يتشتت الذهن لو حاولت قراءة كل الكتب في الموضوع، فَمَا كان العلماء يدرسون كل شيء.

وهناك عبارات تُكْتَب بماء الذهب لابن القيم -رَحِمَه اللهُ- (١)؛ فعندما عرض لقضية الذين يقولون بأن "السلف أسلم، والخلف أعلم"! قال: هذا قول بهتان، يعني: هذا قول باطل غير صحيح؛ بل السلف أسلم وأعلم، ولكن ليست القضية قضية كثرة الكلام، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أُعْطِيَ جوامع الكلم، وقال: "قصر خطبة الرجل مئنة فقهه" (٢)، وَكَانت خطبُهُ - صلى الله عليه وسلم - قصيرةً، وقَدْ نشأ أصحابه الكرام في مدرسته، وتَرَبوا فيها، وتأثَّروا بمنهجِهِ وبأسلوبِهِ


(١) يُنظر: "الصواعق المرسلة" لابن القيم (٣/ ١١٣٣، ١١٣٤)، حيث قال: "فلما أفهموا النفاة والمعطلة أن هذه طريقة السلف، قال مَنْ قال منهم: "طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم … "، فلو تبين لهذا البائس وأمثاله أن طريقة السلف إنما هي إثبات ما دلت عليه النصوص من الصفات، وفهمها، وتدبرها، وتعقل معانيها، وتنزيه الرب عن تشبيهه فيها بخلقه كما ينزهونه عن العيوب والنقائص، وإبطال طريقة النفاة المعطلة، وبَيَان مُخَالفتها لصريح المعقول كما هي مخالفةٌ لصحيح المنقول؛ علم أن طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم وأهدى إلى الطريق الأقوم، وأنها تتضمن تصديق الرسول فيما أخبر، وفهم ذلك ومعرفته، ولا يناقض ذلك إلا ما هو باطلٌ وكذب وخيالٌ".
(٢) أخرجه مسلم (٨٦٩/ ٤٧)، وغيره عن عَمَّارٍ قال: إنّي سَمعتُ رسُولَ اللّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "إنَّ طولَ صلَاة الرَّجل، وقصرَ خطبتِهِ، مئنةٌ من فقهِهِ، فأَطيلُوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإنَّ من البيان سحرًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>