للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبطريقتِهِ، فما كانوا يكثرون الكلام، ولذلك نقل -أظنه- عن ابن مسعودٍ أنه قال: "لو أرَادوا لملأوا الدنيا كلامًا! ".

وأَشار إلى أن: "مَنْ كَانَ مستنًّا، فليستنَّ بما قد مات؛ فإن الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة؛ أولئك كانوا أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -؛ أبر الأمة قلوبًا، وأعْمَقها علمًا، وأقلها تكلفًا" (١).

وكلام ابن القيم -رَحِمَه اللهُ- في هذا المعنى كثير لا أريد عرضه كله، فهو موجودٌ في "إعلام الموقعين" (٢) لمَنْ أراد أن يرجع إليه.

وقَدْ ذَكَره ليُبيِّن فَضْلَ الصَّحابة -رضي الله عنهم-؛ فهؤلاء أَثْنَى اللّه عليهم وزكَّاهم في كتابه بقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: ١٨].

وزكَّاهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لو أنفقَ أحدُنا مثل أُحُدٍ ما بلغ مُدَّ أحَدهم (٣)، ولا نصيفه! " (٤)، وقد شاهدوا التنزيل، وأخذوا العلم من مشكاة النُّبوَّة، وتربَّوا في مدرسة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكانت إذا نزلت آيةٌ لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فَجَمعوا بين الأمرين؛ العلم والعمل، وقَدْ قال -سبحانه وتعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٢]، فَكَانوا يتَّقون اللّه في كلِّ أقوالهم وأعمالهم، فَوَهبهم اللّه -سبحانه وتعالى- علمًا.


(١) أخْرَجه ابن عبد البَر في "جامع بيان العلم" (٢/ ٩٤٧) عن ابن مسعود قال: "من كان منكم متأسيًا، فليتأسَّ بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا، قومًا اختارهم اللّه تعالى لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".
(٢) لم أقف في هذا الكتاب على كلام له في هذه المسألة، بل الذي تقدم نقله عنه في كتابه "الصواعق المرسلة".
(٣) قوله: "مُد أَحَدهم ولا نصيفه، يَقُول: لو أنفق أحدُكم ما في الأرض ما بلغ مثل مُد يتصدق به أَحَدهم أو ينفقه، ولا مثل نصفه". انظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (٢/ ١٦٤).
(٤) أخرجه البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤٠/ ٢٢١) عن أبي سعيد الخدري، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبُّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ مُد أحدهم، ولا نصيفه".

<<  <  ج: ص:  >  >>