للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمالكٌ أَطْلَقَ القول باستئناف الصيام من جديدٍ، وأبو حنيفة قَيَّدَ ذلك بالعمد دون النسيان، أما الشافعيُّ فذهب إلى أنه يبني على ما فات ولا يستأنف؛ لأن هذه الليالي لا أَثَرَ لها في إفساد صيامه، فالصيام متماسكٌ مستمِرٌّ لا خلل فيه، فلا وَجْهَ حينئذٍ لتكليفه بما ليس جُزءًا من الواجب المُتَحَتِّمِ عليه.

- قوله: (وَسَبَبُ الخِلَافِ تَشْبِيهُ كفَّارَةِ الظِّهَارِ بِكَفَّارَةِ اليَمِينِ، وَالشَّرْطُ الَّذِي وَرَدَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ - أَعْنِي: أَنْ تَكُونَ قَبْلَ المَسِيسِ -؛ فَمَنِ اعْتَبَرَ هَذَا الشَّرْطَ قَالَ: يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِكَفَّارَةِ اليَمِينِ قَالَ: لَا يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الكَفَّارَةَ فِي اليَمِينِ تَرْفَعُ الحِنْثَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِاتِّفَاقٍ. وَمِنْهَا: هَلْ مِنْ شَرْطِ الرَّقَبَةِ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً أَمْ لَا؟).

وهذه المسألة من المسائل المهمة المتعلقة بأصول الفقه، وهي ما إذا كانت الرقبة المُعتَقة يُشترَط فيها أن تكون مؤمنةً أم أن ذلك لا يشتَرَط.

أما النَّصُّ القرآني فإنه قد أَطْلَقَ ذلك ولم يُقَيِّدْه، فقد قال الله سبحانهُ وتعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣]، ولم يَرِد التقييد في التكفير بالعتق إلا في كفارة القتل فقط حين قَيَّدَ الله كفارة القتل بعتق رقبة مؤمنة.

فهل هذا التقييد خاصٌّ بكفَّارة القتل وحدها؟ أم أنه يسري إلى التكفير بالعتق في سائر الكفارات؟ بمعنى: هل يُقاس العتق في كفارة الظِّهار على العتق في كفارة القتل أم لا؟

وهذه المسألة محلُّ خلافٍ بين أهل العلم.

فمذهب الجمهور فيها: هو اشتراط الإيمان في الرقبة المعتَقَة، وبه قال مالكٌ (١)،


(١) يُنظر: "الشرح الكبير للدردير ومعه حاشية الدسوقي" (٢/ ٤٤٨)، حيث قال: " (قوله: لأن المقصود)، أي: من عتقها، أي: ولأن الله لما ذكر في كفارة القتل رقبة مؤمنة، وأطلقها في كفارة الظهار وغيره كانت كذلك حملًا للمطلق على المقيد كذا قيل، وفيه أن حمل المطلق على المقيد شرطه اتحاد السبب، والسبب هنا في الكفارات مختلف".

<<  <  ج: ص:  >  >>