إذًا: يقول اللّه تعالى في أمر الإفك وفي القذف: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)} [النور: ٢٣ - ٢٥]، فهل هناك شهادة أكبر وأعظمُ من أن يشهد على الإنسان لسانه ويَد ورِجْلِهِ؟!! ويقول - سُبْحَانَهُ وتَعَالى - في سورة فصلت: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت: ٢٠ - ٢٤].
لا شَكَّ أن الإسلام وضع سِياجًا قويًّا، وحصنًا مكينًا لحماية المسلِمِ وهو في بَيتِهِ وخارج بيتِهِ، لكنه إذا خرج عن طَريقِ الحَقِّ وركب طريق الغواية حينئذٍ وضع الإسلام له زاجرًا رادعًا جاء في سورة النور إذ يقول تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٤، ٥].
* كيف اعتنى الإسلام بأمته؟ وكيف حَرَصَ على أن يظل المسلم طيبًا زكيًّا نقيًّا لا ينبغي أن يُخْدَشَ إِلَّا أن يرتكب حدًّا من حدود اللّه؟ أو أن يخرُج عن طاعَةِ اللّهِ - سُبْحَانَهُ وتَعَالى -؟ هذه العقوبة الرادعة هي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}[النور: ٤]، فلكي يثْبُتَ الزِّنا لا بد من وجود أربعةِ شُهداء، وأن يشهَدُوا بأنهم عاينُوه، ولو تردد واحد منهم يُقَمْ عليهم حدُّ القَذْف، وقد فعل ذلك عمر - رضي الله عنه - في رمي أحد الصحابة فعندما جاء الرامي ليشهد قال له:"اتق اللّه في أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فتَلَكَّأ في شهادته فأقام عليه الحد"(١).