نهى رسولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم - عن "قِيلَ وقَالَ، وكثرة السؤالِ، وإضاعةَ المالِ"(١)، ولما كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يكره المسألة ويَضِيقُ بها كان الصحابة - رضي الله عنهم - تَشُقُّ عليهم بعضُ الأمور، وكان أحدهم يريد أن يسأل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فربما تحرج في بعض الأمور، فكانوا يُسَرُّونَ وَيسْعَدُونَ إذا قدم أعرابيٌّ من البادية يدفعون له شيئًا ويشجِّعونه ليسأل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عن الحكم؛ ومعلومٌ أنَّ من يأتي من البادية يغلب عليه الجهل، وربما ما تعوَّد على بعض الأمور.
ولم يقل له لم تأتني بخير؛ لأنه أوقفه موقفًا محْرِجًا شَدِيدًا، فذهب يسأل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فهو الذي تحمل ذلك لكن عُويمرًا كان مُصِرًّا مندفعًا، فوجد مجلس رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - مليئًا فسأله السؤال، كذلك الحال لهلال، ومن هنا اختلف العلماء: هل الآية نزلت في هلال أم نزلت في عويمر؟ أم أن أحدهم جاء يسأل ثم بعد ذلك جاء الآخر فصادف نزول الآية؟ أم تعددت نزولها؟ وهذا القول الأخير أضعفها.
فهذا تكلم عنه العلماء كثيرًا، والآية نَزَلتْ بحكمٍ صريحٍ في هذا الموضوع.
(قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتَ عَنْهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُويمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُه، فَتَقْتُلُوهُ أَمْ كيْفَ يَفْعَلُ؟).
* لو قُتِلَ وعنده شهود شاهدوا ذلك قتل، والمسألة فيها خلاف، وأمره راجِعٌ إلى الحاكم، وهذا من باب سَدِّ الذرائع، لأنه لو قُدِّرَ أنه وجد مع أهله مثل ذلك النوع فقتله، ربما يأتي أصحاب النفوس المَريضة الذين يريدون أن يبطِشُوا بغيرهم ممن نُزِع خوف اللّه - تعالى - من قلوبهم، فيقود إنسانٌ إلى بيتِهِ، ثم يفعل به ذلك فيَقْتُلُه، ويقول كذا وكذا، ولذلك نجد أن
(١) أخرجه البخاري (٦٤٧٣)، ومسلم (٥٩٣)، من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.