للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شك أنه لا أشد من هذا التقاطع، وهذا التهاتر وهذا الخلاف والتنازع وهذا القذف الذي حصل.

ثم قوله تعطيل حدود اللّه، أي: لو أن أحدهما اعترف بالحق يقام عليه الحد.

إذًا أحدهما كاذب بلا شك، فهذا اللعان لدرء الحد عنهما.

وتعطيل الحدود ليس من الأمور السائغة في الشريعة "لحدٌّ يُقام في الأرض خيرٌ من أن يمطَرَ الناس أربعين ليلة (١) " فهذه الحدود إنما وضعت زواجر ورَوادِع ليرتَدِعَ أصحاب النفوس الضعيفة عن ارتكاب الفواحش، وعن التجاوز، وعن التعدي على حقوق الآخرين.

(وَإِبْطَالِ حُدُودِ اللَّهِ مَا أَوْجَبَ ألَّا يَجْتَمِعَا بَعْدَهَا أَبَدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ). لأن اللّه تعالى يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١]، فزالت هذه المودة، وذهبت الرَّحمة وحَلَّ محلها البَغضاءُ والكُره والتقاطع والتهاتر.

* قال: (وَهَؤُلَاءِ قَدْ عَدِمُوا ذَلِكَ كُلَّ الْعَدَمِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَتُهُمَا الْفُرْقَةَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقُبْحُ الَّذِي بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْقُبْحِ).

فالنفوس قد امتلأت غيظًا وكرهًا وبغضًا فلا أصبحت صالحة؛ لأن يعود بعضهما لبعض، لقول القائل:

إن القلوبَ إذا تنافرَ وُدُّها … مثلُ الزجاجةِ كَسرُها لَا يُجبرُ (٢)


(١) أخرجه ابن ماجة (٢٥٣٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "حد يعمل به في الأرض، خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحًا"، وحسنه الألباني يُنظر: "السلسلة الصحيحة" (٢٣١) حيث قال: "الحديث حسن لغيره".
(٢) هو بيت من القصيدة الزينبية لصالح بن عبد القدوس يُنظر: "جواهر الأدب في أدببات وإنشاء لغة العرب" للهاشمي (٢/ ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>