للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الحديث متفق عليه (١) وهو الذي أشرنا إليه مرات قال - صلى الله عليه وسلم - فيه: "حسابكما على اللّه". فلا بُدَّ من حساب إذ إنَّ أحدهما كاذب لا شك وسيلقى جزاءه وكل كاذب في هذه الحياة وكل مفترٍ، وكل معتدٍ سيلقى جزاءه عند اللّه، فإن كان قد قصَّر وتعدَّى في حقوق اللّه فإنه يتوب إلى اللّه توبة نَصوحًا وبندم على ما مضى ويصر على عدم العودة، وإن كان في حق الآخرين مما يحتاج إلى أن يطلب العفو منهم فليسارع، وإن كان قد أخذ حقًا لهم أو ظلمهم؛ فلا بد من إرجاع تلك المظلمة قبل ألَّا يكون دينار ولا درهم.

(أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا").

تعبيره - صلى الله عليه وسلم - بليغ ولا شك فقد أوتي - صلى الله عليه وسلم - جوامع الكلم فهي عبارات مختصرات وجمل عظيمة ذات معاني سامية رفيعة فـ "حسابكما على اللّه" جملة يدخل تحتها كلام كثير ثم بعد ذلك قوله: "أحدكما كاذب".

إذًا: لا يمكن أن تجتمعا على الصدق ولا على الكذب، فبينكما صادق وبينكما كاذب، وقوله: "لا سبيل لك عليها". جمل متتالية إنها صادرة بلا شكٍّ من مشكاة النُّبُوَّةِ - صلى الله عليه وسلم -.

(وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اللِّعَان).

فهذا دليلٌ للذين قالوا: بأن التفريق يكون عن طريق الحاكم، وهذا هو الأَوْلى.

(وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لِعَانَهَا تَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهَا فَقَطْ، وَلِعَانُ الرَّجُلِ هُوَ الْمُوَثِّرُ فِي نَفْيِ النَّسَبِ، فَوَجَبَ إِنْ كَانَ لِلِّعَانِ تَأْثِيرٌ فِي الْفُرْقَةِ أَنْ يَكُونَ لِعَانُ الرَّجُلِ تَشْبِيهًا بِالطَّلَاقِ، وَحُجَّتُهُمَا جَمِيعًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ عِنْدَ وُقُوعِ اللِّعَان مِنْهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>