وعامر الشعبي من أكثر أهل زمانهما تبحرًا في العلم، ومع ذلك خفي عنهم الإحداد".
وبهذا يتبين أن الإنسان مهما أوتي من العلم، ومهما كان فطنًا ذكيًا فإنه لا يمكن أن يحيط بجميع مسائل العلم، وما أُوتي أحذ من العلم إِلَّا قليلًا.
ونذكر لعامر الشعبي قصة:
نعلم أولًا أنَّ أول الأئمة الأربعة هو أبو حنيفة وهو ممَّنْ وهبهم اللّه ذكاءً نادرًا ولم يكن ذكاؤهُ فقط قاصرًا على العلم بل كان خبيرًا ماهرًا في التجارة، ولذلك بدأ أول حياته بتجارة البذل - القماش - فقابله ذات مرة عامر الشعبي هذا التابعي الجليل فقال له: "إلى أين تتردد؟ فقال له: إلى السوق" فقال: ليس هذا أعني أريد ترددك على حلقات العلم".
قالوا: إنَّ تلك الكلمة نفذت إلى أذن الإمام أبي حنيفة واستقرت في قلبه فبادر إلى الاشتغال في العلم ليلًا ونهارًا، فسخَّر تجارته لخدمة العلم، وكان يقدم إلى أبنائه الطلبة ما يحتاجون إليه فجمع بين التجارة والعلم، ونعلم أنه بدأ حياته بعلم الكلام ولكنه فكر بعد فترة وتحول إلى علم الفقه، وقد ذُكر إلى ذلك عدة أسباب من بينها: أن امرأة جاءت إلى مسجد الكوفة فدخلت لتسأل عن مسألة عِلمية فاستمعت إلى أصوات المعلمين، فكانت هناك حلقتان تداران في ذلك المسجد حلقة حماد بن أبي سليمان التابعي، وحلقة أبي حنيفة الذي يشتهر في علم الكلام، ونعلم بأنَّ من البيان لسِحْرًا، فأبو حنيفة كان له تأثير لجذب الناس إليه فاتجهت المرأة لتسأل أبا حنيفة فلم يُفْتِهَا في تلك المسألة، ثم رجعت إلى حماد بن أبي سليمان فأفتاها، فجلس أبو حنيفة اليوم التالي تلميذًا في حلقة
= قال: "وروي عن الحسن والشعبي أنهما قالا: لا إحداد عليها واجبًا"، وقول الحكم بن عتيبة يُنظر: "المحلى بالآثار" لابن حزم (١٠/ ٦٩) حيث قال: "ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة أن المتوفى عنها لا تحد".