للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثال ذلك: إنسان يقول لآخر: خُذْ هذه الشاة وأعطني هذه الشاة، وكلٌّ منهما أعجبته الأخرى، فيَتَبادلان؛ يعني: باع هذه مقابل هذه، وكلٌّ منهم يريد الأكل، فَهَذا لا يَجُوزُ عند مَالِكٍ في هذه الرِّواية؛ لاتحاد المنافع.

لَكن لو أعطى هذه الشاة وقال: هذه جيدة فخذها، وهذا أخذها لأنها أكثر لحمًا ليأكلها، فحينئذٍ اختلفت المنافع، فهذا جائز.

قوله: (فَهِيَ عِنْدهُ مِنْ هَذَا البَابِ، أَعْنِي: أَنَّ امْتِنَاعَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا، وَالمُزَابَنَةِ) (١)، أما الأصل في الرِّبا إنما هو الزيادة، ومرَّ بنا ذلك.

وَ"المُزَابنة"، هي: أن تبيع الرطب بتمر (٢)، فالرطب يختلف عن التمر، الرطب هو الأصل، والتمر إنما قد مرَّ عليه وقتٌ فصار تمرًا، فالرطب بعد أن يمر عليه وقت يصير تمرًا.

إذن، هل يجوز بيع الرطب بالتمر أو لا؟ هذا بالنسبة للمزابنة لا يجوز، لكنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - استثنى منه بيع العرايا (٣)؛ لأن هذه الشريعة قامت على ما فيه مصلحة الناس، وكثيرًا ما أقول: إن هذه الشريعة تقوم على قواعد وأسس عظيمة منها العدل، ومنها أيضًا مراعاة مصالح الناس،


(١) يُنظر: "التهذيب في اختصار المدونة" لخلف بن أبي القاسم (٣/ ٧٩)، حيث قال: "ومجمل النهي عن اللحم بالحيوان إنما ذلك من صنف واحد، لموضع التفاضل فيه والمزابنة".
(٢) "المزابنة": هي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر كيلًا، وبيع العنب بالزبيب كيلًا. يُنظر: "طلبة الطلبة" للنسفي (ص ١٥٠).
(٣) "بَيْع العرَايا": هو أن مَنْ لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب، ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل له يطعمهم منه، ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيجيء إلى صاحب النخل، فيقول له: بعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر، فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات ليصيب من رطبها مع الناس. يُنظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٣/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>