للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (لِمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ)، إذًا هذا مرسلٌ، والمرسل هو ما سقط منه الصحابي (١)، فلا يكون هذا الحديث متصلَ السند إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه من مراسيل سعيد بن المسيب (٢)، وأما لو ذكر الصحابي لأصبح حديثًا مرفوعًا، والمَرَاسيلُ إنما هي في بعض أمورها معتبرةٌ، وهذَا منهَا (٣)، والإمام مالك رحمه الله من أشد العلماء نقدًا للحديث، وقد رواه واحتج به.

قوله: (وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْ زيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الحَيَوَان بِاللَّحْمِ" (٤)) وهذا


(١) الحديث المرسل هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي، فيقول التابعي: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - .. "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص ٢٥).
ومثل القول: فلو ذكر التابعي فعلًا أو تقريرًا نبويًّا، كان دخلًا فيه. انظر: "توضيح الأفكار" للصنعاني (١/ ٢٥٨).
(٢) أصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب، والدليل عليه أن سعيدًا من أولاد الصحابة؛ فإن أباه المسيب بن حزن من أصحاب الشجرة وبيعة الرضوان، وقد أدرك سعيدًا، عمر، وعثمان، وعليًّا، وطلحة، والزبير إلى آخر العشرة، وليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد وقيس بن أبي حازم، ثم مع هذا فإنه فقيه أهل الحجاز ومفتيهم، وأول فقهاء السبعة الذين يعدُّ مالك بن أنس إجماعهم إجماع كافة الناس، وأيضًا فقد تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله، فَوَجدوها بأسانيدَ صحيحةٍ، وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره. يُنظر: "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص ٢٥، ٢٦).
(٣) حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصِحَّ مخرجُه بمجيئه من وجه آخر، ولهذا احتج الشافعي - رضي الله عنه - بمرسلات سعيد بن المسيب؛ فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر، ولا يختص ذلك عنده بإرسال ابن المسيب، وسقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقرَّ عليه آراء جماهير حفاظ الحديث، ونقاد الأثر. وقال الإمام مسلم: "المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة"، والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهم في طائفة، واللّه أعلم.
يُنظر: "مقدمة صحيح مسلم" (١/ ٢٩)، و"معرفة علوم الحديث" لابن الصلاح (ص ٥٣ - ٥٥).
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (١٩١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>