للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للإنكار، أو لتقرير الحكم في نفس السائل أو السامع، وهو المراد هنا في هذا الحديث، فسؤال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟ "، وفي روايةٍ: "إِذَا يَبِسَ؟ " (١)، ليس للاستفهام، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يعرف ذلك ويعلمه، لكنه - عليه الصلاة والسلام - أراد أن يغرس ذلك في نفوس السامعين، ثم يذكر الحُكْم مقرونًا بعلته؛ تعليمًا للناس وترسيخًا، وهذا كثيرٌ في أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - كقوله لمعاذ بن جبلٍ - صلى الله عليه وسلم - حين كان رديف رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على حمارٍ فسأله: "أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللّهِ؟ "، قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: "حَقُّ اللّهِ عَلَى العِبَادِ أَلَّا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإنَّ حَقَّ العِبَادِ عَلَى اللّهِ أَلَّا يُعَذِّبَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ"، قلت: يا رسول اللّه، أفلا أُبشِّر الناس؟ قال: "دَعْهُمْ لَا يَتَّكِلُوا" (٢).

ومثله سؤال رَسُول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه: "أَتَدْرُونَ مَنِ المُفْلِسُ؟ "، قالوا: المفلس فينا يا رسول اللّه مَنْ لا دِرْهمَ له ولا متاع، قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "المُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكاتِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (٣).

الشاهدُ هنا أن الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - أراد بسؤاله تقرير الحكم (٤).

نعود إلى بيان درجة الحديث، فقد أخرجه مالكٌ في "موطئه" (٥)،


(١) أخرجها أبو داود (٣٣٥٩) وغيره، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (١٣٥٢).
(٢) أخرجه البخاري (٢٨٥٦) ومسلم (٣٢).
(٣) أخرجه مسلم (٢٥٨١).
(٤) لا سؤال استفهام؛ لأن انتقاص الرطب بالجفاف مما لا يخفى على عاقل. قاله البغوي في "شرح السُّنَّة" (٨/ ٧٩).
(٥) حديث (٢٢)، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (١٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>