للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا، علة التحريم وجود التفاوت، يعني: عدم التماثل الذي اشترطه الشارع الحكيم لِنفْيٍ ربا الفضل، فإذا وُجِدَ التماثل، زال ربا الفضل، وإذا وُجِدَ التفاوت، وُجِد ربا الفضل؛ كالعجين بالدقيق، هذا رطبٌ وهذا جافٌ.

قوله: (وَاللَّحْمِ اليَابِسِ بِالرَّطْبِ، وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيِ المُزَابَنَةِ عِنْدَ مَالِكٍ).

المزابنة هي بيع الرُّطَب بالتمر كَيْلًا، وبيعِ العنب بالزبيب كَيْلًا (١)، لكن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - استثنى مَن المنع العريَّة (٢) بخرْصها يأكلها أهلها تمرًا بشروطٍ خمسةٍ ذكرها أهل العلم، ويأتي الكلامَ عنها إنْ شاء اللّه، فَالعريَّة مُسْتثناةٌ من شرط المماثلة، والسَّلَم مُسْتثنًى أيضًا، وهو بَيْعُ موصوفٍ في الذمة إلى أجلٍ معلومٍ بثمنٍ مقبوضٍ في مجلس العقد، كأن تدفع مالًا إلى جزَّار ليأتيك بلحم بعد مدةٍ وليس وقتَ دفع الثمن، إذا أنت قدمت الثمن قبل أن تستلم المثْمَن (٣)؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المُزَابنة ما عدا صورةً واحدةً، وهي بيع الرُّطَب بالتمر خَرْصًا لحاجة المساكين ممن لا يتمكن مِنْ شراء الرُّطَب بالدراهم والدنانير.

وربما يتساءل البعض: لماذا كثر كلام الفقهاء عن بيع الرُّطَب بالرُّطَب، والتمر بالتمر، والقمح بالقمح؟

الجواب: أنَّ مَنْ قبلنا لم تَكن حَالُهُم كحَالنا، فتجد أحدنا اليوم لا يحتاج لاستبدال الرُّطَب بالقمح مثلًا؛ لأنَّ معه نقودًا يشتري بها ما يريد، أمَّا مَنْ سبقنا فَكثير منهم لا تتيسر عنده النقود وقتما شاء، فصاحب عروض التجارة يحتاج ما في يدِ غيرِهِ، ولا نقود عنده، فيلجؤون إلى التبادل


(١) "طلبة الطلبة" لنجم الدين النسفي (ص ١٥٠)، "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٢٩٤).
(٢) وهو أن مَنْ لا نخل له من ذوي الحاجة، يدرك الرطب ولا نفد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل له يطعمهم منه، ويكون قد فضل له من قُوتِهِ تمرٌ، فيجيء إلى صاحب النخل، فيقول له: بعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر، فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات ليصيب من رطبها مع الناس. "النهاية" لابن الأثير (٣/ ٢٢٤).
(٣) "النهاية"، لابن الأثير (٢/ ٣٨٩، ٣٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>