للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتساوي الذي هو كالعلم بالتفاضل، إذًا، الجهل بالتساوي مظنةُ لتحققِ الربا أو قيامه، فما دام الربا متوقَّعًا، فلا يصح.

وأما قوله: [وَلَكِنَّ التَّحْرِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا أَحْسَبُ لِهَذه التُّهْمَةِ]؛ لأن مَنْ سلَك هذا المسلكَ قَدْ لا يقصد الاحتيال يقينًا، لكن ما دامت الشُّبهة قائمةً، فينبغي إبطال هذا البيع، والحكم عليه بعدم الصِّحَّة، وهو ما اتفق عليه العلماء، بل حكى بعضهم الإجماع عليه (١).

قوله: (وَلَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَعْتَبِرَ التَّفَاضُلَ فِي الصِّفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى لَمْ تَكُنْ زِيَادَةُ الطَّيِّبِ عَلَى الوَسَطِ مِثْلَ نُقْصَانِ الرَّدِيءِ عَنِ الوَسَطِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ هُنَاكَ مُسَاوَاةٌ فِي الصِّفَةِ).

لأنه ربما لو قيل له: أتبيع صاعين من الوسَط بصاعٍ مِن الجيد؟ لقَالَ: نعم، وتعلمون قصَّة الرجل الذي استعمله الرسول - صلى الله عليه وسلم - على خيبر، وأنه باع الصاعين من الجَمْع بصاعٍ من الجَنيب.

روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - استعمل رَجلًا على خيبر، فَجَاءه بتمرٍ جنيبٍ، فقال رَسُولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ "، قال: لا واللّه يا رسول اللّه، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَفْعَلْ، بعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا" (٢).

إذًا، الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - رسم لنا الخط السوي، والمَخرج الصحيح لمَنْ أراد تبديل الجيد بالرديء بأن يبيع ما عنده، ثم يشتري بثمنه ما أراد، ومن


(١) كابن عبد البر في "التمهيد" (٢٠/ ٥٧)، ونقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" (٤/ ٤٠٠). قال ابن عبد البر: "وهو أمر مجتمع عليه، لا خلاف بين أهل العلم فيه، كل يقول على أصله: إن ما داخله الربا في الجنس الواحد من جهة التفاضل والزيادة، لم تجز فيه الزيادة والتفاضل، لا في كيل، ولا في وزن".
(٢) حديث (٢٢٠١)، وأخرجه مسلم أيضًا (١٥٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>