للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الدَّين مقابل أن يعطيه المدين حقَّه قبل موعده، ما دليل هؤلاء؟ دليل هؤلاء ذَكَره المؤلف من الأثر.

وَالفَريق الثَّانِي لهم دليل أيضًا من الأثر والقياس، وهو ما سميناه بالمعقول، أما الأثر فقد جاء في قصة بني النضير، فكما تعلمون عندما نزلت الآيات بإجلائهم، وتعلمون بما حصل منهم، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حدد لهم وقتًا معينًا على أن يخرجوا من المدينة، فجاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: يا رسول الله، إنَّ لنا ديونًا، يعني: حقوقًا على الناس لم تحلَّ بعد .. وتعلمون أن اليهود عرف اشتغالهم بالتجارة، حتى إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات ودرعه مرهون عند يهودي، فهؤلاء طلبوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينظرهم مدة أكثر حتى تحل ديونهم، فماذا قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال لهم: "ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا" (١).

إذًا، هذا نصٌّ صريحٌ في هذه المسألة، لكن هل هذا الحديث صحيح أم لا؟ هذا الذي يهمنا، هذا من حيث الدليل، قالوا: فهذا نص صريح في هذه المسألة.

قالوا: وقد ثَبتَ ذلك أيضًا عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، وهو لا يقول بمثل هذا القول، ولا يفتي به إلا وقد عرف ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وأما من حيث القياس أو المعقول: فإنهم قالوا: أليس لهذا الإنسان (أي: الدَّائن صاحب الحق) أنه عندما يحل الأجل أن يسقط عن المدين بعضه؟ قالوا: نعم. قالوا: فكذلك هنا أيضًا (٢).

إذًا، ما الفرق بين هذا وذاك؟ هذا رجل تنازل له عن بعض حقه


(١) أخرجه الطبرانيُّ في "المعجم الأوسط" (٨١٧) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٤/ ١٣٠): "فيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، وقد وثق".
(٢) وهو معنى قول أبي ثور: "ليس هذا بيعًا، إنما هذا حط"، ينظر: "الأوسط" لابن المنذر (١١/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>