للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقابل أن يعطيه، وهذا أيضًا بعد أن حل الأجل جاز له ذلك، فهؤلاء فرقوا بين مسألة "ضَعْ وتَعجَّل"، وبين مسألة "أنظرني أزدك"؛ لأن مسألة "أنظرني أزدك" لا شك أن فيها إثقال كاهل المدين، وإرهاقًا له، إذًا في ذلك ضرر على طرف مع استفادة طرف آخر، لكن "ضَعْ وتعجل" قالوا: إنما الفائدة تسري وتعم الطرفين معًا، فقالوا: هنا لا ينطبق على الربا، فليس هذه من مسائل الربا، بَل إن الربا معروف في اللغة بأنه الزيادة، والزيادة هنا هي نقصٌ في الأجل، وفي الثمن، فليس هذا من أنواع الربا (١).

ولكن اعترض الفريق الآخر، فقالوا: بل إن الطرف الثاني أيضًا يستفيد عندما تؤجل أنه يبعد له في الأجل، والمدين لا يخلو من واحد من أمرين: إما أن يكون معسرًا، وإما أن يكون موسرًا، فإن كان معسرًا فلا يجوز أن يُزَاد له في المدة مع زيادة الثمن، بل يجب أن ينظر كما قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}، فَإِنْ كَانَ لا يستطيع الدفع، فَعَلى الدائن أن ينظره حتى تزول عنه العسرة.

إذًا، إنظاره واجب دون مقابل، إذًا قالوا: هذا قياس مع الفارق، وقالوا: وإن كان المدين موسرًا (أي: غنيًّا)، فيجب عليه أن يدفع حق الدائن إذا حل عليه.

هذا هو تقرير هذه المسألة، ولكن نأتي إلى حديث بني النضير، هذا


(١) قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (٣/ ٢٧٨): "هذا عكس الربا؛ فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل، وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل، فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل، فانتفع به كل واحدٍ منهما، ولم يكن هنا ربا؛ لا حقيقةً، ولا لغةً، ولا عرفًا، فإن الربا الزيادة، وهي منتفية ههنا، والَّذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا، ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: "إما أن تربي وإما أن تقضي"، وبين قوله: "عجل لي وأهب لك مائة"، فأين أحدهما من الآخر؟ فلا نص في تحريم ذلك، ولا إجماع، ولا قياس صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>