للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما ترون أن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هي قواعدُ وأسسٌ؛ وقد خصَّ الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بخصائصَ منها: أنه أعطاه جوامع الكَلِمِ، يقوله كلامًا قليلًا موجَزًا يحمل معاني كثيرةً، ربما يكتب أحدهم مجلدًا، فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يختصر ذلك بكلماتٍ يسيرةٍ.

وأنبه هنا إلى خطإ الذين قالوا: "إن السَّلَفَ (الصحابة والتابعين وتابعيهم) أسلم، والخلفَ أعلمُ"، هذا خطأ، بل نقول: إن السَّلَفَ أسلمُ وأعلم، فليس العِلْمُ بكثرة الكلام، ولا بتحليته وتزيينه، لا، العلمُ هو خلاصة هذه الأمور، فقَوْل الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "الخَرَاجُ بالضَّمَانِ" (١)، يُعَدُّ قاعدةً عظيمةً من قواعد الضمان والتغريم (٢)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (٣) أَخذَ منه العلماء قواعدَ كثيرةً، منها قاعدة: "الضرر يُزَال" (٤).

* قوله: (وَهَذَا مِنْ بَابِ بَيْعِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ القَبْضَ شَرْطٌ فِي دُخُولِ المَبِيعِ فِي ضَمَانِ المُشْتَرِي).

الإمام الشافعي له قاعدةٌ استقرت في مذهبه، ويلتقي معه الإمام أحمد في بعض أجزائها؛ فعند الشافعي رَحِمَهُ اللهُ لا يجوز للمشتري أن يبيعَ ما


(١) أخرجه الترمذي (١٢٨٦) وقال: حسن غريب، وحَسَّنه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (١٣١٥).
(٢) ومعنى قوله: "الخراج بالضمان": الرجل يشتري المملوك فيستغله، ثم يجد به عيبًا كان عند البائع يقضي أنه يرد العبد على البائع بالعيب، ويرجع بالثمن فيأخذه، وتكون له الغلة طيبة، وهي الخراج، وإنما طابت له الغلة؛ لأنه كان ضامنًا للعبد لو مات مات من مال المشتري؛ لأنه في يده. "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (٣/ ٣٧).
(٣) أخرجه ابن ماجه (٢٣٤٠) وغيره، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (٨٩٦).
و"الضُّرُّ": ضد النفع، ومعنى قوله: "لا ضرر" أي: لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئًا من حقه. و"الضرار": فعال من الضر، أي: لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. "النهاية" (٣/ ٨١)، و"شرح القواعد الفقهية" (ص ١٦٥) لأحمد الزرقا.
(٤) أي: تجب إزَالَته؛ لأن الأَخْبار في كَلام الفُقَهاء للوجوب. "شرح القواعد الفقهية" (ص ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>