(مِنْ جِهَةِ الجَهْلِ)، أي: الجهالة بالمبيع، أما إذا وُجد شيءٌ فيه جهالة من قِبَلِ المتبايعين، فهذه مسألة أخرى؛ لأن الإنسان قد يعذر بجهله إذا لم يكن متعمدًا.
وَالمَقْصود: أنهما قد يتبايعان بيعًا فيه جهالة، أيْ: فيه أمرٌ ليس واضحًا.
قد تكون الجهالة بتعيين المعقود عليه هي السبب في الغرر، كأن يقول البائع للمشتري: أبيعك عبدًا من عبيدي، فالعقد بهذه الصفة فيه جهالةٌ؛ لأنَّ عبيده يختلفون وصفًا ونتاجًا، وفيهم القوي والضعيف والمتوسط، وفيهم مَنْ يجيد صنعةً، ومن لا يجيد، وفيهم مَنْ يَتميَّز بأمورٍ، وفيهم مَنْ لا يقابل بعمله ما يقدم له من أكلٍ وشرب … إلى غير ذلك.
إذًا، العبيد مختلفون، فهذا البيع بهذه الصفة وهذه الصيغة لا يجوز؛ لأن فيه جهالةً، والصحيح أن يقول: أبيعك فلانًا ابن فلان.
وكذلك الحال في كل ما يعقد عليه بيعًا، فعنذما يقول البائع للمشتري: بعتك سيارةً من سياراتي، فَلَا بُدَّ من تعيينها، أما إذا كانت السيارات من نوعٍ واحدٍ وينطبق عليها جميع الأوصاف، فلا بأس بإطلاق الصيغة من غير تعيين.
وَكثيرٌ من الغرر الذي كان معروفًا، زال في كثيرٍ من الأمور؛ لأنَّ الصناعات الآن أصبح لها أوصافٌ دقيقة كالأرقام، وبيان نوع الصَّنعة وكيفيتها، ولو ذهبت إلى تاجر قماش، فوصف لك نوعًا منه، فهذا الوصف يكفي أن يعطيك لونه وشكله ووصفه.