للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيَان مُرَاد المُؤلِّف: يريد المؤلف -رَحِمَه اللهُ- القول بأن لفظة: {يَطْهُرْنَ} في قول اللّه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، والَّتي هي على صيغة "يفعلن"، عَادةً ما تكون من غير فعل المُكلَّف، فَهَذا أمر ليس من فعل المكلف، ولا من اختياره، فانقطاع دَم الحيض عن الحَائض لا دَخل لها فيه، ولا إرادة، وَهَذا بخلاف لفظة {تَطَهَّرْنَ} في الآية -والَّتي هي علَى صيغة التَّفْعيل- فَعَادةً ما تكون من فعل المكلف.

فَالحَائضُ هي الَّتي تَغْتَسل، وتُبَاشر ذلك بمقدِّماته من إعْدَاد الماء، وَغير ذلك، فاللفظة الأولى {يَطْهُرْنَ}: ليست من فعل المكلف، واللفظة الثانية {تَطَهَّرْنَ}: من فعله.

قوله: (فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، أَظْهَرَ فِي مَعْنَى الغُسْلِ بِالمَاءِ مِنْهُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي هُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ، وَالأَظْهَرُ يَجِبُ المَصِيرُ إِلَيْهِ) (١).

يريد المؤلف -رَحِمَه اللهُ- أن يقول: نحن إذا نظرنا إلى هذه القاعدة المطردة -أو: شبه المطردة- بأن صيغة "يفعلن" عادةً لا تكون من فعل الإنسان، وأن صيغة التفعيل تكون من فعله، فسننتهي من هذا بأن صيغة التفعيل (وهي اللفظة الثانية في الآية وهي قوله تعالى {تَطَهَّرْنَ}) يُرَاد بها هنا الغسل، هذا هو الأظهر، فينبغي أن نصير إليه.

قوله: (حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ، وَرَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ مَذْهَبَهُ (٢) بِأَنَّ لَفْظَ "يَفْعُلْنَ" فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}: هُوَ أَظْهَرُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي هُوَ انْقِطَاعُ دَمِ الحَيْضِ مِنْهُ فِي التَّطَهُّرِ بِالمَاءِ، وَالمَسْأَلَةُ -كَمَا تَرَى- مُحْتَمِلَة).


(١) أَوْلَى القرَاءَتين بالصواب في ذلك قراءة مَنْ قرأ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بتشديدها وفتحها، بمعنى: حتى يغتسلن؛ لإجماع الجميع على أن حرامًا على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تطهر. يُنظر: "تفسير الطبري " (٤/ ٣٨٤).
(٢) تقدم ذكر مذهبه فيها، ونقلنا قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>