للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمُنَابذة، كأن يقول (١): أيُّ ثوبٍ نبذته إليَّ أو رميته إليَّ، فهو عليَّ بكَذا، وفيه جهالةٌ أيضًا لما فيه من الغرر، والرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - يريد دائمًا أن تبقى علاقات المسلمين قائمةً على المحبة والمودة والألفة، وألَّا يحصل التقاطع والتنافر، وأن تَبْقى صُدُورهم دائمًا صافيةً نقيةً، وهذا هو الواجب على المسلمين؛ لأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى المسلمين أن يتباغضوا، أَوْ أن يحقر أحدهم الآخر، فقال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ اكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا" (٢).

وبَيَّن أن المُسْلمَ على المُسْلم حرامٌ، فقال: "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُه، وَمَالُه، وَعِرْضُهُ" (٣).

إذن، لا يَجُوز للمُسْلم أن يظلم أخاه المسلم، ولا أن يَحْسده، ولا أن يحقره؛ لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن كل هذه الأمور؛ لتبقى دائمًا صدور المؤمنين صافيةً خاليةً من الغلِّ والحسد، ولذلك كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكره أن ينقل إليه ما يسوؤه عن أحدٍ أصحابه حتى يظلَّ صدرُهُ دائمًا رحبًا مطمئنًّا خاليًا من أن يكون فيه شيء على أحدٍ، وهذا هو وَاجب المُؤْمنين عمومًا، فالرَّسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع لنا الأُصُول والأسس، ويخطُّ لنا طريقًا مستقيمًا لا عوجَ فيه، وَلَا انحراف؛ فيَنْبغي لنا جميعًا أن نَسْلكه، وأن تكون عَلَاقةُ المسلم بأخيه المسلم قائمةً على الرَّحمة والمودة والتعاطف والتعاون والبر والتقوى والخير، وهَذِهِ هي العَلَاقات التي ينبغي أن تكونَ بين المؤمنين.


(١) "المنابذة": أن يقول الرجل لصاحبه: انبذ إليَّ الثوب، أو غيره من المتاع، أو أنبذه إليك، وقد وجب البيع بكذا وكذا، ويقال: أن يقول الرجل: إذا نبذت الحصاة، فقد وجب البيع، وهو معنى قوله: إنه نهى عن بيع الحصاة. انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (١/ ٢٣٤).
(٢) أخرجه البخاري (٦٠٦٤)، ومسلم (٢٥٦٣/ ٢٨) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه مسلم (٢٥٦٣/ ٣٢) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>