للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إن الإنسان إذا عرف الجاهلية، وأدرك ما فيها من المخاطر، وما فيها من الذُّلِّ، وما فيها من المعاصي، ثم بعد ذلك تَذوَّق حلاوة الإيمان، وتَلذَّذ به، فإنه سيدرك قيمة الإسلام، ويعرف أهميته، ولذلك ترون كيف كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكيف كان السلف يُقْبلون على هذا الدين بقوة، وكيف كانوا يبيعون أنفسهم رخيصةً لله سبحانه وتعالى دفاعًا عن هذا الدين!

ومع تطهير الإسلام المجتمع من هذه البيوع الفاسدة المفسدة، لكنَّه أبقى على بعض البيوع الصحيحة كالمضاربة (١) المعروفة، فقد كانت في الجاهلية، ثم جاء الإسلام وأقرَّها، فلم يكن الإسلام دين تعصب، وإنما هو دين الرحمة للناس كافة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٨)} [سبأ: ٢٨].

وقال: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨].

فقد بُعِثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الجن والإنس ليهدي الناس إلى الحق، ويدعو الناس كما كان الرسل قبله يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦].

ومن الدعوة التي قام بها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حذرنا من هذه البيوع، ونهانا عنها، وبيَّن ما يحل وما يحرم، وخَوَّفنا من الخبائث، وبيَّن ما يترتب عليها من الأضرار، وأمرنا بألَّا نأكل إلا الطيب، وألا نطعم إلا الطيب، وألا نلبس إلا الطيب، وألا نشرب إلا الطيب، وألا نقرب الخبيث، كما قال الله تعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧].


(١) "المضاربة": معاقدة دفع النقد إلى من يعمل فيه على أن ربحه بينهما على ما شرطا، مأخوذٌ من الضرب في الأرض، وهو السير فيها؛ سُمِّيت بها لأن المضارب يضرب في الأرض غالبًا للتجارة طالبًا للربح في المال الذي دفع إليه. انظر: "طلبة الطلبة" للنسفي (ص ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>